سيلفانا أبي رميا

The World Sucks...جنود مجهولون يجوبون الشوارع لقلب المقاييس

11 تشرين الثاني 2022

02 : 01

لحظات وقصص لوّنها عمل الخير
في مبادرةٍ فرديةٍ لا تشبه ما سبقها، متطوعون أمام الكاميرا و»جندي مجهول» ولدوا وسط الأزمات والمعاناة التي تُغرق اللبنانين، ونزلوا إلى الشوارع في محاولةٍ لتغيير الواقع القاتم الذي يلف لبنان وسكانه في ظل مسؤولين صمً وبكم وقياديين اختاروا الإشاحة بنظرهم والوقوف أصناماً لا تشعر ولا تتحرك لإنهاء الآفات والفساد الذي يقتل شعبها رويداً رويداً. The World Sucks اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي مثبتةً أن الخير ما زال موجوداً وأن شبابنا كانوا وما زالوا النور الخافت في نهاية كل نفق. هم الذين اجتاحوا الشوارع متجاهلين الديانات والأحزاب والطائفية والمناطقية ونجحوا في زرع الابتسامة والخير دون مقابل.

"نداء الوطن" تواصلت مع القيّم على المبادرة الذي رفض أن يكشف عن اسمه أو هويّته، مكتفياً بالقول إنه شاب لبناني والتفاصيل الباقية غير مهمّة، وكان معه الحديث التالي:

كيف ومتى ولدت فكرة المبادرة؟

بعدما أسّست عملي، وفي عمر الـ34 قرّرت تخصيص جزء من مدخولي الشهري، يصل إلى مليون ليرة شهرياً لمساعدة الآخرين. أنشأت حساباً على "إنستغرام" وأسميته The world sucks وبدأت نشر فيديوات محفّزة ومؤثرة أصوّرها إن كان في التاكسي، أو في أي مكان آخر. وفي 29 شباط 2020، أطلقت المبادرة وقررت فتح باب التبرعات "أونلاين" لكثرة الأشخاص الذي أبلغوني بأنهم يريدون المساعدة وتوسيع المبادرة وبدأت أتلقّى مبالغ لأساعد فيها عائلات وأفراداً كباراً وصغاراً نقابلهم عشوائياً في الطرقات ولا نختار أحداً مسبقاً.

كيف تم اختيار الاسم؟ وماذا يعني؟

The world sucks اسم يجسّد ما رأيته في هذا العالم، عالم مقرف بكل ما للإسم من معنى، عالم تغيب فيه العدالة والمساواة. فقررت أن أكون من الفئة التي تسعى لتغيير هذا الواقع وجعل عالمنا أجمل. في كل مرة ننزل إلى الشوارع نعكس الصورة الجميلة والطيبة للفقراء الذين يعطون دون مقابل، الذين لو سألناهم عن لقمة طعام أو نقطة ماء لما تَوانوا لحظةً عن تقديمها بغض النظر عن فقرهم ومعاناتهم الاقتصادية والاجتماعية. هؤلاء هم "الناس الحلوين" الذين يغيّرون صورة الكون في أعيننا، هؤلاء أبطال المبادرة.

صحيح أن المبادرة بدأت في لبنان إلا أني أطمح بالوصول بها إلى العالمية، المبادرة نفسها انطلقت حديثاً في سوريا وسننتقل إلى بلدان أخرى قريباً.

هل فريق العمل من المتطوعيـــــن حصراً؟

بالإضافة إلى المتطوعين، الذين هم الجنود الأوفى في مسيرتنا والمتواجدون على الأرض، والذين يفوق عددهم الـ500 شخص، والذين نشترط ألّا يقلّ عمرهم عن 18 سنة نظراً للمخاطر التي نواجهها في الشوارع، قمنا عبر مردود الصفحة الخاص بتوظيف ثلاثة أشخاص، 2 منهم ينجزون مونتاج الفيديوات وشخص واحد يهتم بهندسة الصفحة وتحميل الفيديوات.

من أي بلد أنت وكم عمرك؟ ولماذا ترفض الكشف عن هويتك؟

أنا لبناني يبلغ من العمر 36 عاماً. أرفض الكشف عن هويتي انطلاقاً من مبدئي الذي اتخذته يوم قررت إطلاق المبادرة. أولاً أنا خلقت المبادرة ليستفيد منها غيري وليس أنا حتى أنه بإمكان أي شخص أن ينزل من خلالها إلى الشارع ومساعدة الناس معنا. ثانياً أنا لا أسعى خلف الشهرة ولا أريدها مع العلم أني أستطيع الحصول عليها ما إن أُظهر وجهي في الفيديوات وهو ما لا أحبّذه خوفاً من أن تجرّني الشهرة إلى قبول هدايا من أشخاص وصفحات ومحال تجارية وغيرها، أو أن تغير نظرة المحيطين بي كأن يحبونني ويحترمونني وفقاً للمبادرة التي أطلقتها. أما ثالثاً فأنا لا أكشف عن اسمي لأنه يكشف فوراً عن ديني وأنا ضد الطائفية والسياسة في حياتي وفي مبادرتي وصفحتي.

كيف يتم اختيار المناطق التي تزورونها؟ وكم منطقة زرتم حتى الآن؟


المناطق نختارها حسب مكان إقامة المتطوع الذي سيقوم بتنفيذ الفيديو. مبدئياً غطّينا كل مناطق لبنان حتى اليوم، من الشمال إلى الجنوب والبقاع، بيروت، جبيل وغيرها. هدفنا ليس المناطق هدفنا الأشخاص عشوائياً وليس الفقراء فقط. نحرص على نقل رسالة الفرح والعطاء علّها ترسم ابتسامةً على وجه فقرائنا ومظلومينا، وعلّها تنقل عدوى العطاء والإنسانية إلى من يحتاجها وهو متمكّن من مساعدة غيره لكنه لا يحرك ساكناً.






هل سيتم يوماً ما الكشف عن هوية المؤسس؟

أتمنى ألا يأتي يوم يجبرني على كشف هويتي. فهو شيء أرفضه ولن أفعله مطلقاً من تلقاء إرادتي.

هل لديكم إحصاءات لعدد الاشخاص الذين ساعدتموهم حتى اليوم؟

أكثر من 160 فيديو أنجزناها حتى اليوم. تمكّنا من مفاجأة أكثر من ألف شخص ومساعدتهم مادياً ومعنوياً. وعلى هامش نزولنا الى الشارع، قمنا بغرس 10 آلاف شجرة في أنحاء لبنان، أسسنا "دكاناً" في بيروت يبيع كل قطعة لديه بـ1000 ليرة لبنانية فقط، اشترى منها أكثر من 500 شخص. كذلك قمنا بتجهيز عربة أكل تحضّر طبق باستا بألف ليرة فقط، جال المناطق من طرابلس حتى صور حيث بعنا 15000 وجبة.

أهم اللحظات خلال التصوير بقيت عالقة في ذاكرتكم؟

شخصياً عندي 3 لحظات عالقة في ذهني وأثرت فيّ كثيراً:

الأولى كانت في بداياتي حيث نزلت لأرى من مِن سائقي التاكسي سينقلني بـ10000 ليرة فقط (كان معي في جيبي 500 ألف)، ما فاجأني أن 10 سائقين من أصل 10 قبلوا نقلي مجاناً. نزلت لأفاجئهم ففاجأوني وأخبروني أن الخير لم يغِب من هذا الكون.

الثانية هي أنه وأثناء التصوير التقينا طفلاً يبيع أغراضه وألعابه لمساعدة عائلته وتوفير قسط مدرسته، فقصدناه واشترينا منه كل الأغراض بسعرٍ أعلى بكثير من الذي طلبه هو، وأخذناه بعدها إلى محل للألعاب ليشتري ما تستهويه عينه. لن أنسى دمعة الطفل والقوة والصلابة التي رأيتها في عينيه وكأنه يحمل كرامته سلاحاً ويعرف جيداً أن ما يفعله بعيد كل البعد عن "العيب" أو الخجل.

أما الثالثة، فيوم أدّيت دور شخص غادر لتوه المستشفى بعد أن كان في غيبوبة لمدة سنتين، دخلها قبل الكورونا وانفجار المرفأ، فنزلت إلى الشارع وانهلت بالأسئلة على العالم ماذا حصل ولماذا كل شيء تغيّر... رأيت صلابة اللبناني وكيف ما زال واقفاً وصامداً رغم كل شيء مرّ به وما زال قادراً على مساعدة غيره وتعزيته ومواساته وعمل الخير والتبشير بالأمل.

هل تواجهون الرفض والقمع في الشوارع؟

طبعاً نواجه الكثير من الرفض والقمع في الشوارع، بعض العالم يساورهم الشك والبعض الآخر يرفض الظهور على الكاميرا مهما كان. عدا عن القمع الأمني والحزبي في المناطق المحظورة فهناك حزبَان صوّرنا ضمن نطاقهما فأجبرنا عناصره على تسليم الشريط وأتلفوه.



زرع البسمة دون مقابل




ما المبالغ التي باتت مدفوعة حتى اليوم؟

فوق الـ70 ألف دولار للناس في الشوارع، 15 ألف دولار لتأمين مسكن لمن لا سقف لهم، كذلك تلفزيون "الجديد" دفع 12 ألف دولار لتصوير حلقات خاصة بعيد الميلاد، عدا عن حوالى 10 آلاف دولار عبارة عن إعلانات لشركات تكفلت بكامل عمليات التصوير والمساعدات ومنها "مشروع كافيه" و"plein soleil".

ما الذي تشاهدونه في الشارع اللبناني ويحزنكم؟

الدموع التي نراها يومياً هي أكثر ما يحزن. لكن الأجمل هو دمعة الفرح والضحكة في نهاية كل فيديو. هو كل إنجاز نفتخر به. لبنان كله تحت ثقل المعاناة والأزمة، لبنان كله بحاجة للدعم والفرح ومن يقف بجانبه إن كان مادياً أو معنوياً، حتى كبار المودعين "يشحدون" أموالهم على أبواب المصارف ويحملون الأسلحة... هدفنا ليس الفقراء، هدفنا إعطاء الأمل ونشره حتى بالأشياء الصغيرة.






متطوّعون شباب يغيّرون الواقع



ماذا يقول المؤسس للشعب اللبناني ولحكام البلد؟

أكثر من 80% من الشعب اللبناني كرامته متأصلة فيه وفعل الخير والطيبة مزروعان في داخله رغم كل المصاعب التي مرّت، أما السيئون منهم فلا يتعدى عددهم الـ2%. هذه إحصاءاتنا نقدمها لكم فلا تفقدوا الأمل وتذكروا من نحن وما طينتنا، نحن شعب الكرم والكرامة والأخوة والتعايش مهما قست الأيام. فكونوا المثال الطيب واصنعوا الفرق مع الجار والصديق والغريب والمتسوّل في الشارع.

أما للسياسيين فلا كلمة تُقال، نحن ضد السياسة والسياسيين صفحةً وأفراداً ولن نتطرّق لها مطلقاً ولا تَعنينا.


MISS 3