شربل داغر

ماذا يجري في المتاحف؟

14 تشرين الثاني 2022

02 : 01

ماذا يجري في المتحف؟ ماذا يجري في المتاحف؟ هذا السؤال يمكن أن نطرحه في اي بلد من دون تردد. الأخبار تتوالى، في اي مكان، عن قيام متاحف، حيث ما كنا نتوقع لها قياماً أو وجوداً. وما كان اقرب إلى السر، إلى العتمة، بات مطلوباً ومعلناً وجهاراً.

هذا ما ننتبه اليه في عدد المتاحف: في باريس وحدها ما يزيد على مئة وستين متحفاً. دراسة عربية في العام 2016 أظهرت وجود أكثر من الف متحف في العالم العربي. وهو تنامٍ فظيع لا يلبي بالضرورة العناية المالية والرمزية المتفاقمة بالفن في العالم، إذ إن فحص لوائح المتاحف، هنا وهناك، يُظهر أن عدداً كبيرا من هذه المتاحف (بما فيها في العالم العربي) لا يلبي فقط احتياجات الفن والفنانين، بل يلبي غيرها، مما يتعدى الفن. فدَور المتاحف في حفظ الفن، في تثبيت «خلوده»، فضلاً عن «تخليد» كبار فنانيه، انتقل إلى سياسات حفظ متحفي يمكن أن تصيب ما نريد حفظه، مثل تاريخ مستشفى او طعام وغير ذلك.

بل يمكن القول إن هذا التوسع بات يغير فكرة المتحف القديمة، إذ إن الرغبة، لدى حكومات أو مؤسسات، باتت تطلب «الحفظ» فقط، الذي بات يعني الدعاية المرجوة، المستدامة.

ألا أن فكرة توسع المتحف، وتبديل غرضه الاول، انتقلت أيضا إلى تبديل «واحديته».

هذا ما ننتبه اليه في كون المتحف بات أقرب إلى «ماركة تجارية» يمكن نقلها خارج جدرانه الأولى. هذا ما عرفه متحف اللوفر، المتحف الأكبر في العالم، والذي يرقى قيامه إلى أكثر من مئتي سنة : جرى بناء «فروع» له في مناطق فرنسية مختلفة، وهذا ما بلغ ابو ظبي أيضا في السنوات الأخيرة.

كما يمكن التحقق أيضا من أن وظيفة «الحفظ» اتسعت، إذ لا يتورع غير متحف في العالم عن أن يستقبل بين جدرانه معارض لفنانين معاصرين، وليس لكبار الفنانين القدامى (كما كان عليه الأمر في السابق).

هذه التغيرات ليست بغريبة عن عالم اليوم، إذ باتت للمتحف نوافذ وبوابات تفضي إلى خارجه، ولم يعد ذلك المبنى المعتم (كما تصفه كتابات قديمة).

هذا ما يرمز إليه البناء الزجاجي الذي بات يعلو متحف اللوفر، ويشكل مدخله الجديد منذ مطالع هذه الألفية.

كما أن المتاحف باتت معنية بتصيد جماهير السياح المتعاظمة في مدن العالم، وبإدراج زيارة المتحف في عداد فقرات جولة السايح في هذا البلد أو ذاك.

إلا أن مؤشرات التغيير هذه (وهناك غيرها) ابطلت، أو عدلت قيم الفن ومعاييره. بات «الخلود» شأنا ميسراً، متاحاً، خاضعاً لمراهنات ومضاربات واستثمارات يتحكم بها الرأسمال قبل اي عامل آخر.

هذا ما قد يفسره البعض بالحرية المتعاظمة والمطلوبة ضمن ما يسمى بالنزعة «المعاصرة»، التي تقلب المعايير والقيم المعهودة للفن. إلا أنه يعني، قبل ذلك، وفي حاصل العملية الجارية، التوحش الرأسمالي الشديد، وعلى مستوى العالم.


MISS 3