جاد حداد

The Crown في موسمه الخامس... بدأ يخسر بريقه

16 تشرين الثاني 2022

02 : 01

لم يكن مسلسل The Crown (التاج) يدخل في خانة الأعمال الدرامية المحض يوماً. على غرار الشخصية الرئيسية، الملكة إليزابيث الثانية، يحاول هذا المسلسل الطويل على شبكة "نتفلكس" تحقيق هدفَين: أولاً، تقديم درس تاريخي متقن عن لحظات محورية من ماضي المملكة المتحدة؛ ثانياً، دراسة كواليس العلاقات التي تجمع أفراد العائلة المالكة. على مر أربعة مواسم، برع صانع العمل بيتر مورغان في الجمع بين الخيال والحقيقة والشائعات، فاعتبر حياة العائلة الشخصية على صلة وثيقة بهوية البلد الوطنية في جميع الظروف. لا يجازف الموسم الجديد بتشويه سمعة أي شخصية، لكنه يخسر العناصر التي جذبت المشاهدين إليه.

يُفترض ألا يبدو هذا الموسم الذي يعرض أكبر الفضائح في تاريخ العائلة المالكة هادئاً لهذه الدرجة، لكنه أضعف مما ينبغي. في الحلقة الثانية، تشارك "ديانا" (إليزابيث ديبيكي) سراً في تحضير السيرة المدوّية التي قدّمها أندرو مورتون عنها. لكن بدل استكشاف رد فعل العائلة على المعلومات المطروحة، تنتهي هذه العملية بنشر الكتاب. كذلك، تُخصّص الحلقة الخامسة مدة طويلة لإعادة تمثيل المكالمة الهاتفية المحرجة بين "تشارلز" (دومينيك ويست) و"كاميلا" (أوليفيا ويليامز).

لكن حين يبدأ المسلسل بتحليل عواقب تهور الملك المستقبلي، سرعان ما ينتقل إلى مشهدٍ له وهو يلقي خطاباً باسم جمعيّته الخيرية. هذه الانتقالات المربكة تُخفف أثر المشاهد القوية وتمنع القصة من اتخاذ المنحى الاستفزازي المطلوب عبر التطرق مثلاً إلى حماية أفراد العائلة المالكة من الإهانة العلنية، أو تضرر سمعة "كاميلا" و"ديانا" أكثر من "تشارلز"، أو تعامل العائلة مع موضوع العلاقات الجنسية بطريقة مختلفة عن عامة الناس.

هذا التردد ينتج موسماً يفتقر إلى التماسك بدرجة غير مسبوقة، فهو يكرر مواضيع مألوفة ولا يُركّز على تطوّر الشخصيات، مع أنه كان يعطي أهمية كبرى لهذا الجانب منذ الموسم الأول في العام 2016. تتأثر شخصية "فيليب" (جوناثان برايس) بالسيناريو المتخبط أكثر من جميع الشخصيات الأخرى. في إحدى الحلقات، هو يدعم بقوة جميع قرارات "إليزابيث" (إيميلدا ستانتون). لكنه يبدو حاقداً في حلقة أخرى، ويعيد التعبير عن جميع المشاكل التي واجهها في المواسم السابقة ويؤكد حاجته إلى تحقيق مصالحه الخاصة.

يعتبر المسلسل علاقة "فيليب" و"إليزابيث" من العلاقات الزوجية الأكثر استمرارية في العائلة المالكة، لكنه لا يكف عن تكرار الصراعات نفسها. وحتى صداقة "فيليب" غير المتوقعة مع الشابة "بيني ناتشبول" (ناتاشا ماكيلهون)، زوجة ابنه بالمعمودية، لا تصل إلى أي وجهة مختلفة. يتخلى المسلسل عن خطه السردي الأصلي حين يبدأ بالكشف عن الاضطرابات التي ترافق حياة زوج الملكة طوال عقود. يتعثر المسلسل أيضاً حين يعجز عن تقديم جوانب أكثر عمقاً من شخصية "إليزابيث". يعجّ الموسم الخامس بحلقات عن سحب يختها الملكي المحبوب "بريتانيا" من الخدمة. لكن مع كل الاحترام للملكة الراحلة، لا يمكن أن يشكّل تقاعد إحدى السفن مادة مثيرة للاهتمام في أي مسلسل تلفزيوني. سرعان ما يتحول هذا الجانب من القصة إلى استعارة واضحة للدلالة على عمر الملكة.

منذ سنتين، استحق المسلسل الإشادة لأنه اتخذ موقفاً صارماً وانتقد الملكة أخيراً. استعمل صانعو العمل المشاهد المعروضة لتصوير مدى بُعدها عن بقية أفراد عائلتها وتأثير جَهْلها للوقائع على تصلّب المؤسسة التي تديرها. هذه المقاربة أعطت طابعاً مختلفاً للموسم الرابع، فبدت اللحظات التاريخية المعروضة منتقاة بشكلٍ مدروس لإثبات المصاعب التي واجهتها العائلة المالكة لمواكبة تطور العصر. بعبارة أخرى، استُعمِل الخيال بالشكل المناسب لعرض الحقائق.

لكن أصبح العمل الآن أقرب إلى المسلسلات الطويلة التقليدية. تتعدد اللحظات المسرحية في الموسم الجديد، بدءاً من لقاء "تشارلز" و"ديانا" لإنهاء علاقتهما بالكامل بعد طلاقهما المرير، وصولاً إلى صور مُركّبة تظهر فيها "مارغريت" (ليسلي مانفيل) وهي تراجع الرسائل التي تلقّتها في شبابها من عشيقها "بيتر تاونسند" (تيموثي دالتون). لكن تبدو هذه اللقطات مبعثرة. يدرك مورغان على ما يبدو أن الإبهار الذي رافق مشاهدة مشاكل العائلة المالكة للمرة الأولى تلاشى، لكنه لا يطوّر الأحداث الدرامية هذه المرة إلا عبر إعادة ابتكار الفضائح المتلاحقة وتقديم شخصيات مثل حبيب "ديانا" الأخير، "دودي الفايد" (خالد عبدالله)، علماً أنه لن يلعب دوراً مهماً في حياتها قبل الموسم السادس والأخير. باختصار، أصبح المسلسل مشابهاً لوضع الملكة في العقود الأخيرة من حُكْمها: إنه عمل جدّي يقوم بما هو مطلوب منه ويبحث عن معنى ما يقدّمه، لكن يبقى هذا الهدف بعيد المنال.


MISS 3