مجيد مطر

السعودية طليعة الأمن القومي العربي

17 تشرين الثاني 2022

02 : 00

منذ اللحظة الأولى لـ»عاصفة الصحراء» التي شنّها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، رداً على التحدي الوجودي القادم من اليمن بعد أن سيطر الحوثيون على صنعاء، بدا أنّ للسعودية سياسة خارجية جديدة، أحد مرتكزاتها حماية الأمن القومي العربي، الذي يبدأ من باب المندب ولا يقف عند العاصمة بيروت. فبقدر ما تعتبر اليمن معضلة أمن قومي سعودي، فهي بالقدر نفسه مسألة أمن إقليمي أوسع واشمل.

وما تنظيم مؤتمر دعم «الطائف» الذي عُقد في قصر الاونيسكو بدعوة من السفير السعودي وليد البخاري، الّا أحد ملامح هذا الدور الذي يشير وبوضوح إلى أنّ المملكة أصبحت أحد مراكز الثقل العربي المؤثّر في القضايا المتعلقة بأمن الإقليم، وبيروت في صلبه.

فالمسألة أبعد من اتفاقٍ أصبح جزءاً لا يتجزأ من الدستور اللبناني، وبهذا الحدّ لا تتدخل الرياض في الشأن الداخلي اللبناني، إنما للطائف ابعادٌ سياسية مهمة تتخطى السياسة الداخلية اللبنانية لتصل إلى واقعٍ مهم يتعلق بنظرة الدول العربية لهذا الاتفاق وتحديداً المملكة، أولاً، بصفتها الراعي الأبرز له إلى جانب رعاة آخرين، وثانياً، الاتفاق نفسه يتعلق بالاستقرار اللبناني والهوية العربية للبنان المهددة على نحو لا لبس فيه.

فالجوهر السياسي لـ»مؤتمر الاونيسكو» يشير إلى خيار استراتيجي سعودي تجاه قضايا المنطقة، ومنها لبنان كجزء من الاستقرار العربي في ظل تهديد مباشر لجموح المشروع الإيراني التوسعي الذي تمثّل المذهبية أداةً من أدوات سياسته الخارجية، بحيث يُعتبر التصدي له من القيم الاستراتيجية التي لا تتجزأ لدى القيادة السعودية. وهذا التصدي ليس نتاجاً للهواجس المذهبية المقابلة، بل يتجاوزها الى ما هو أبعد: البعد القومي للصراع بكافة مضامينه. والعمل على إبقاء لبنان دولة مستقرّة في كنف اتفاق الطائف قد يوفر شروطاً أفضل لبقائه في كنف الشرعية العربية، للردّ على التحديات والاستهدافات التي تأتينا من كل حدب وصوب. إنّها خلاصة ادراكات السعودية لواقع الامن الإقليمي في المنطقة العربية.

ثقافة استراتيجية

كل دارسٍ للفكر الاستراتيجي، يدرك أنّ السعودية تمتلك ثقافة استراتيجية راسخة، تبتعد عن البهورة والادعاء، وتعبّرُ عن نفسها بدبلوماسيةٍ هادئة ويقظة، ضمن ادراك بعيد النظر لواقعها كدولة تعي دورها ومكانتها، ولمحيطها العربي وغير العربي، فضلًا عن ادراكها لامكانياتها القائمة على مخزون نفطي ضخم يؤثر في اقتصاديات العالم تقدماً أم تراجعاً.

السعودية حاجة كونية، ليس لغناها الطاقوي فحسب، بل لسلوكها الحضاري الذي يؤكد وعن صواب أنّ الطاقة أحوج للسلام العالمي منها إلى الحروب وفقدان الاستقرار، كي تسهم في التنمية ومحاربة الفقر، فهي عضو في مجموعة العشرين التي تمثّل دولها الأعضاء 80 بالمئة من الاقتصاد العالمي. إنها فاعل دولي أساسي في الاستقرار العالمي، يرسم سياسته الخارجية على أكثر من مستوى إقليمي ودولي ووظيفي.

هناك محطات كثيرة أثبتت فيها القيادة السياسية السعودية قدرتها على التعامل مع المتغيرات الدولية وبالتالي حماية المصالح الوطنية للمملكة وشعبها. فمنذ فوز جو بايدن بالرئاسة في الولايات المتحدة بادرت ادارته الى إعطاء إشارات سلبية، وهذه الإدارة هي الأكثر عدائية ضد السعودية. وما إزالة الحوثيين عن لوائح الإرهاب سوى دليل بيّن تلك العدائية. ثم جاءت تطورات الحرب على أوكرانيا وتأثيراتها على أسعار النفط وتداعيات قرار «أوبيك بلاس» القاضي برفض خفض سعر البرميل، الذي اعتبره الحزب الديمقراطي موجهاً ضدّ إدارة بايدن. كل هذه التطورات شكّلت أزمة دولية متعددة الوجوه، وقد أظهر حيالها صانع القرار السعودي حنكة ورباطة جأش، عكسا الثقافة الاستراتيجية السعودية في إدارة الازمات الدولية.

لا شك ان أمننا القومي العربي يواجه صعوباتٍ يصعب حصرها بفعل تنازع المشاريع الإقليمية، لكن ما يطمئن هو أنّ ثمة دولة بقيادة شابة، بعمق عربي تعي دورها ومسؤولياتها في التصدي حماية لأمننا العربي بكافة الوسائل: السياسية، الاقتصادية والعسكرية من دون أن تنسى صناعة المستقبل، وهي بالفعل، قد بدأت صناعته.

(*) كاتب لبناني