سناء الجاك

باسيل ملك الإقناع... والبروباغندا

19 تشرين الثاني 2022

02 : 00

يصرّ رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل على أنّه يدفع ثمن تحالفه مع «حزب الله»، عقوبات أميركية بحقه، وأنّ لا علاقة لهذه العقوبات بتهم الفساد، ويؤكد أن الأميركيين لا يملكون مستندات تدينه.

وفي حين لم يحاول باسيل، حتى الساعة، اللجوء إلى الطرق القانونية لتبرئة نفسه، يتابع المكابرة، ويبحث عن منصّات دولية لتثبيت حضوره وإظهار نفسه رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه... وعنتر زمانه من يتجرّأ ويحاول انتخاب رئيس للجمهورية لا يوافق عليه.

والواضح أنّ هذا الاصرار هدفه اقناع جمهوره بأنّ خروج الرئيس ميشال عون من بعبدا ليس نهاية الدنيا، وبأنّه لا يزال قوياً، لذا لا يزال مستهدفاً من العالم بأسره، وليس فقط من «الفاسدين» الذين يريدون «أكل» حقوق المسيحيين ويسعون إلى إقصائه وحرمانه من الحصول على حقّه الشرعي بالوصول إلى كرسي بعبدا.

وتندرج زيارته العاصمة الفرنسية باريس تحت هذا العنوان، وقد حرص خلالها على إظهار تمايزه عن «حزب الله» في رفضه دعم منافسه سليمان فرنجية.

والمفارقة تكمن في أنّ إعلان التمايز هذا يترافق وتولي إعلام «المحور الإيرانيّ» في لبنان تصوير زيارة باسيل الفرنسية بأنّها «تطوّر لافت» في الملف الرئاسي، والأهم كما يطيب «للباسيليين» و»للممانعين» أن يرّوجوا، أنّ «الفرنسيين يأملون بالاتفاق مع باسيل إرساء خريطة طريق للانتخابات الرئاسية، انطلاقاً من العلاقة الجيدة التي تربطه بكل من البطريرك الماروني بشارة الراعي و»حزب الله».

وكأنّ باريس تحتاج في حلّ أزمة لبنان، إلى دليل من قماشة باسيل يساعدها في إقناع الأطراف اللبنانيين، وتحديداً إقناع «الحزب» والبطريرك الراعي، والأطراف الدوليين والعرب، وحتى إيران، على الرغم من الشوائب والاتهامات المتبادلة في العلاقة الثنائية على أثر اعتقال السلطات الإيرانية فرنسيين على خلفية الاحتجاجات الحالية ضد «نظام الولي الفقيه».

أو كأنّ الصهر هو ملك الإقناع، وليس ملك البروباغندا. لكنّه التذاكي بصريح العبارة. وأحدث نسخة منه هو إعلانه أنه يحمل تصوراً للحل المتكامل في لبنان، لا ينحصر في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بل يتناول أيضاً برنامجه والحكومة المقبلة والإصلاحات الضرورية التي يتعين القيام بها مع تصور لموقع لبنان ودوره وحاجته لحماية إقليمية ودولية.

بكلام آخر، لدى الرجل عرضٌ لصفقةٍ، في حين أنّ المطلوب انتخاب رئيس للجمهورية، وليس مقايضة ملء الشغور الرئاسي من خلال سلة متكاملة تتضمن اسم رئيس الحكومة والوزراء وتوزيع الحقائب وفق المحاصصة المعهودة، وملء المناصب الأساسية، إن لحاكمية مصرف لبنان، أو لقيادة الجيش... أو... مع حصّة وازنة للمفاوض صاحب العلاقات الجيدة مع البطريرك و»الحزب».

وقمة التذاكي في تصويره عدم ترشحه خدمة لحلٍ وفاقي ينقذ البلد، مع أنّ إحجام باسيل عن هذا الترشح لا يقدّم أو يؤخّر في المعادلات المستحيلة التي فرضها «حزب الله» على لبنان لإبقائه تحت سيطرة مشغِّله الإيراني... اللهم إلّا إذا كان المطلوب توظيف «الحزب» لتحركات باسيل ومنحه أدواراً جديدة ودعم سعيه لرفع العقوبات عنه.

لذا يبقى تافهاً إظهار الرفض «الباسيلي» لترويكا جديدة، وتحديداً ترويكا يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري أحد أضلعها، وتكفي متابعة العلاقة الودية بين بري ونائبه الياس بو صعب لتؤكد أنّ توزيع الأدوار بين أضلع «الممانعة» هو الثابت الوحيد، وقد ظهر جلياً في الانتخابات النيابية.

بالتالي، إذا كان أمل «إبليس» في الجنة غير ممكن، إلّا أنّ أمل باسيل في الرئاسة ممكن، بالرغم من تعففه المزوّر، وبالرغم من رفض بري العلني له، فكلمة السرّ يملكها، فقط، «الحزب الإلهي» الذي يوزع الأدوار، ويفرض في النهاية من يريد رئيساً للجمهورية.