رفيق خوري

"بلدية" لبنان الكبير

11 كانون الثاني 2020

01 : 30

تأليف الحكومات في لبنان صار محنة لا تنتهي حتى بالتأليف. محنة معاناة الجشع والتفاهة لدى تركيبة سياسية تعتبر السياسة مهنة لجمع المال والإمساك بالسلطة. ومحنة التكيّف مع التنظير لتأليف الحكومات حسب اتجاه الرياح الأقليميّة والدولية. وليس غريباً أن ترتفع أصوات داعية من جديد إلى حكومة سياسية بدل حكومة تكنوقراط على أساس أن المعادلات تغيرت باغتيال أميركا للجنرال قاسم سليماني. والحجة هي أن حكومة ما بعد الإغتيال تختلف عن حكومة ما قبله، وأن لبنان يحتاج إلى حكومة سياسيين لمواجهة المرحلة. والسؤال، ما دمنا في عين الصراع الأميركي-الإيراني، هو: ماذا لو حدث اغتيال شخصية أميركية أو عربية أو لبنانيّة كبيرة؟ هل نحتاج إلى حكومة مختلفة أخرى؟

الغريب أننا نتجاهل الواقع تحت شعار الواقعية. الواقع أنه ليس للسلطة منذ مدة سياسة خارجية بالمعنى العملي سوى سياسة "حزب الله". والواقع أن الذين نسميهم سياسيين هم "تكنوقراطيون في السياسة"، ولا أوزان لهم في اللعبة الاقليمية والدولية. إذ هم "فيش" على طاولة اللاعبين وليسوا لاعبين، أو هم ديكور في أحسن الأحوال. وإذا كان قرار "محور المقاومة" هو أن يكون لبنان من ساحات المواجهة مع أميركا، فإن دور الحكومة على الهامش، مهما تكن نوعية أعضائها.

والأهم في الواقع هو تجاوز الترف السياسي في التساؤل إن كنا في حاجة إلى حكومة إنقاذ أو حكومة مواجهة. فالمواجهة من فوق مسرح ينهار في بلد مفلس هي وصفة للإنتحار الوطني والسياسي. ولا أحد يأخذ جائعاً إلى معركة أو إلى محاضرة إيديولوجية عما في الغيب.

ذلك أن قمة الواقعية لتجاوز الواقع الحالي هي معادلة ثابتة وسط كل الأحاديث عن تغيّر المعادلات: لا أولوية قصوى تتقدم على إخراج لبنان من الهاوية المالية والإقتصادية التي أوقعنا فيها السياسيون بممارسة سياسات نقدية ومالية واقتصادية خطيرة وخاطئة بقصد مقصود لإثراء القلة النافذة وإفقار الأكثرية المحكومة.

ولا حاجة في مثل هذا الوضع لديوك تصيح على "مزبلة" السياسة. كل ما يحتاجه لبنان هو مجموعة متجانسة لديها رؤية للإنقاذ، و"خبرة في العمل، وقدرة على الإمتناع عن الفساد والإرتشاء والسطو على المال العام. مجرد مجلس بلدي يدير "بلدية" لبنان الكبير إلى أن يكتمل الإنقاذ ويصبح المسرح جاهزًا للسياسة بمعناها النبيل: "فن إدارة شؤون الناس".

وبعدما نزل الشباب إلى الشارع، لم يعد يصح فينا قول سانتيانا: "لا رياح ملائمة لمن ليس لهم اتجاه".


MISS 3