رامي الرّيس

الإحتباس السياسي بين الجزائر والمغرب: متى الخروج من عنق الزجاجة؟

3 كانون الأول 2022

02 : 01

لا يبدو أن العلاقات السياسيّة المتوترة بين الجارين اللدودين في شمال أفريقيا، الجزائر والمغرب، مرشحة للانفراج قريباً. فالتوترات المتنامية وصلت إلى ذروتها مع إعلان الجزائر آحاديّاً عن قطع العلاقات الديبلوماسيّة وسحب السفراء منذ أشهر، وهي تتوّج مسيرة طويلة من الخلافات التي كانت وصلت إلى محطة ساخنة منذ العام 1994، تاريخ إقفال الحدود بين البلدين.

صفحة النضال السياسي المشترك بين البلدين ضد الاستعمار الفرنسي في منتصف القرن الماضي إنطوت إلى غير رجعة، واستبدلت بكثير من الاحتقان والاتهامات المتبادلة على خلفيّة جملة من القضايا، في طليعتها قضيّة الصحراء الغربيّة والمواقف المتناقضة منها تماماً، بالإضافة إلى مسائل أخرى لا تقل تعقيداً مثل الهجرة والإرهاب والتهريب وسواها من العناوين التي غالباً ما تؤدي إلى تأجيج العلاقات بين الدول المتجاورة جغرافياً.

لائحة الاتهامات المتبادلة بين البلدين طويلة وفي مقدّمها إتهام المغرب للجزائر بدعم جبهة «البوليساريو» التي تنادي باستقلال تام للصحراء الغربيّة عن المملكة المغربيّة وقد أعلنتها جمهوريّة صحراويّة مستقلة، إلا أنها لا تحظى باعتراف الكثير من الحكومات (باستثناء الجزائر طبعاً). يُذكر أن الصحراء الغربيّة تمتد على مساحة 252 ألف كلم على الساحل الشمالي الغربي لأفريقيا، بكثافة سكانيّة منخفضة بحيث يصل تعداد سكانها إلى 567 ألف نسمة، وفق تقديرات الأمم المتحدة والبنك الدولي.

في المقابل، تطول لائحة الاتهامات الجزائريّة للمغرب، إذ تتهمها بدعم منظمتين مصنفتين إرهابيتين لدى السلطات الجزائريّة وهما منظمة «رشاد» الإسلاميّة ومنظمة «ماك» الإنفصاليّة في منطقة القبائل. كما تتهمها باستخدام برنامج «بيغاسوس» للتجسس على المسؤولين الجزائريين. ووصلت الاتهامات إلى حد إتهام المغرب بالوقوف خلف النيران المستعرة التي إلتهمت أجزاء كبيرة من الحياة البرّية الجزائريّة في نيســـان الماضي. واتخذت العلاقات الثنائيّة منعطفات أكثر سلبيّة مع اتخاذ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قراراً بعدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزوّد إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب، ما يعني أن تقتصر إمدادات الغاز لإسبانيا عبر أنبوب الغاز البحري «ميدغاز»، الذي وُضع في الخدمة منذ العام 2011.

ولا تقتصر الخلافات بين البلدين على هذه الإشكالات السياسيّة المعقدة على القضايا الثنائيّة البينيّة، بل تمتّد أيضاً إلى القضايا العربيّة والإقليميّة الشائكة. فالمغرب إتجهت نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل إعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء الغربيّة، وتُرجم ذلك من خلال توقيع إتفاقيّات «أبراهام» في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. كما نالت المغرب جرعة دعم إضافيّة أيضاً من إسبانيا التي أعلنت تأييدها لخطة الحكم الذاتي المغربيّة لمنطقة الصحراء الغربيّة.

ومعروفٌ أن الجزائر أكثر تشدداً في دعمها للقضيّة الفلسطينيّة وعاصمتها شهدت المؤتمر الوطني الفلسطيني سنة 1988 الذي أعلنت فيه دولة فلسطين ونالت إعترافاً دوليّاً واسعاً يومذاك، ولكن تجاوزته لاحقاً التطورات الميدانيّة داخل الأراضي المحتلة فيما لم يحقق إتفاق أوسلو (1993) بين الإسرائيليين والفلسطينيين الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وترسيم الحدود النهائيّة وإعادة اللاجئين.

لقد واظب العاهل المغربي الملك محمد السادس منذ العام 2018 أن يؤكد في خطبة العرش السنويّة على ضرورة إسقاط الحواجز السياسيّة بين البلدين وعلى أهميّة استئناف العلاقات بين الشعبين الشقيقين اللذين يتقاسمان الكثير من العادات الإجتماعيّة والروابط الأسريّة والجغرافيّة. ولكن، من الواضح أن الانقسامات السياسيّة عميقة وإدارة الاختلاف بين البلدين ليست بالمسألة السهلة على ضوء التراكمات التاريخيّة التي صارت ترخي بظلالها على الشعبين وتباعد في ما بينهما بشكل كبير، ذلك أنه مع مرور الوقت، سيكون ردم الهوّة السحيقة ليس أمراً يسيراً.


MISS 3