ماري جوردان وسيليا بيلين

فرصة تاريخية لبايدن وماكرون

3 كانون الأول 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مأدبة عشاء رسمية في البيت الأبيض | واشنطن ، 1 كانون الأوّل 2022 (أ ف ب)

حين قام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأول زيارة رسمية له إلى واشنطن في العام 2018، كانت تربطه علاقة متخبّطة مع نظيره الأميركي دونالد ترامب وكان التحالف العابر للأطلسي في حالة فوضى. أراد الرئيس الفرنسي، الذي يدعم التعددية والبراغماتية في آن، أن يقنع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني المبرم في العام 2015 والحفاظ على وجود عسكري أميركي واسع في شمال شرق سوريا، لكن لم يتحقق أيٌّ من الهدفَين.



حصلت زيارة ماكرون الرسمية الثانية هذه المرة في سياق مختلف جداً. أتت بعد سنة على احتدام الخلاف العلني بين فرنسا والولايات المتحدة بسبب الشراكة الأمنية الأميركية الجديدة «أوكوس» مع أستراليا وبريطانيا، فقد كلّفت باريس صفقة غواصات مهمة مع كانبيرا، تزامناً مع تجدّد الوحدة العابرة للأطلسي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. لقد تأكّد دور القيادة الأميركية مجدداً في أوروبا مقابل التشكيك بدور فرنسا وألمانيا.

انتقل مركز الثقل الأوروبي باتجاه الشرق، نحو حدود دول الناتو، فلم تعد أبرز المخاوف الأمنية الفرنسية (الإرهاب الجهادي القادم من الشرق الأوسط ومنطقة الساحل الأفريقي) على رأس الأولويات. أُعيد انتخاب ماكرون في شهر نيسان الماضي، لكنه خسر الأغلبية في البرلمان. وعلى غرار معظم القادة الأوروبيين، هو يواجه موجة محتملة من الاستياء خلال الشتاء المقبل بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والركود المرتقب.

قد تُعتبر استضافة ماكرون في البيت الأبيض مبادرة إيجابية من جانب الرئيس الأميركي جو بايدن، فقد تعاون الأخير مع نظيره الفرنسي لإعادة بناء الثقة بعد اتفاق «أوكوس»، لكن لا تتفق الإدارتان حتى الآن على جزء من المسائل الاقتصادية والاستراتيجية الأساسية. منذ زيارة ماكرون الأخيرة إلى واشنطن، شَهِد العالم سلسلة من التحولات الكبرى، بدءاً من الجائحة العالمية، وصولاً إلى تجدّد الحرب في أوروبا والتقارب الخطير بين الصين وروسيا، وبدأت هذه الأحداث تُجبِر الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين على تعديل شراكاتهم. بالإضافة إلى معالجة المخاوف الفورية، مثل ندرة مصادر الطاقة والصراع في أوكرانيا، يجب أن يحرص بايدن وماكرون على تجهيز التحالف الأميركي الفرنسي لإتمام مهام أكبر حجماً في المرحلة المقبلة، أبرزها تمكين أوروبا من احتواء روسيا العدائية، وإصلاح المؤسسات الدولية كي تصبح شاملة وفاعلة وقوية في وجه تحديات متنوعة مثل صعود الصين، والتغير المناخي، والتهديدات التكنولوجية.

إذا كان الفرنسيون يأملون في تلقي الدعم من الولايات المتحدة لتقوية الدفاع الأوروبي، فيرغب الأميركيون من جهتهم في تعزيز الاصطفاف مع فرنسا في الملف الصيني. حاولت إدارة بايدن أن تتفوّق على بكين وتبني تحالفاً قوياً لمعارضة نزعتها التحريفية، وهي تهدف بذلك إلى سد الفجوة بين أولويات واشنطن والدول العابرة للأطلسي. تشعر الولايات المتحدة بالقلق من حصول غزو صيني لتايوان بدءاً من العام 2027 مثلاً. لا تتوقع واشنطن من الأوروبيين أن يطلقوا أي رد عسكري، لكنها تأمل في أن تسهم أوروبا في منع الصين من استعمال القوة وتفرض عليها العقوبات إذا أطلقت أي هجوم. لتحقيق هذه الغاية، يجب أن تتابع الولايات المتحدة التعاون مع فرنسا والاتحاد الأوروبي لزيادة قوة تحمّل أوروبا (عبر تخفيف اتكالها مثلاً على التجارة والتكنولوجيا والمواد الأساسية الصينية مثل العناصر الأرضية النادرة، وعبر التصدي لحملات التضليل الصينية)، تزامناً مع إقناع بكين بأنها مستعدة للتحرك عند الحاجة. وبما أن الوحدة العابرة للأطلسي أثبتت نفسها كسلاح فاعل ضد روسيا، لا تستطيع واشنطن ان تتحمّل كلفة خسارتها عند التعامل مع الصين.

انطلاقاً من هذا المنظور، تُعتبر فرنسا شريكة أساسية للولايات المتحدة لكن يصعب التحكم بها. هي تتقاسم جزءاً كبيراً من مخاوف الولايات المتحدة بشأن الصين، لكنها تنوي تصميم سياسة وطنية وأوروبية مختلفة لتجنب الاصطفاف التلقائي مع واشنطن وإبقاء المجال مفتوحاً أمام احتمال التعاون مع بكين حين تتوافق مصالح الطرفَين. كذلك، تسعى فرنسا إلى اقتراح خيار ثالث لدول منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، فتدفع باتجاه تعزيز القواعد الدولية والدفاع عن السيادة بدل تشجيع الدول على الانضمام إلى معسكرات متنافِسة. داخل أوروبا، سبقت فرنسا الأطراف الأخرى في ردّها على التصرفات الصينية العدائية، فدعمت طرح آليات خاصة بالاتحاد الأوروبي لمراقبة الاستثمارات الخارجية المباشرة ومحاربة الممارسات الاقتصادية القسرية. لكن تعتبر فرنسا نفسها «قوة موازِنة» وترفض منطق الكتل المتنافسة، ويُعتبر حذرها بشأن مواجهة الصين داخل حلف الناتو والانضمام إلى المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة لمجابهة بكين عائقاً أمام الاصطفاف الأوروبي في الملف الصيني.

لكسر هذا الحاجز، يجب أن تُحدد فرنسا والولايات المتحدة أفضل المنتديات لمناقشة الشؤون الصينية. قد يكون حلف الناتو واحداً من المنتديات المحتملة، لكنه ليس الوحيد لأن التحديات التي تطرحها بكين ليست عسكرية محض. من واجب الاتحاد الأوروبي أن يشارك في تحضير أوروبا لأي صدمات اقتصاديـة محتملة نتيجـــــة الاضطرابات الحاصلة في التجارة العالمية. كذلك، لا يزال المجال مفتوحاً أمام تكثيف التعاون في مجالَي التجارة والتكنولوجيا، عبر تقوية مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مثلاً.

من دون تحســـين مستوى التنســيق الثنائي، ستواجه فرنسا والولايات المتحدة ثلاثة مخاطــــر متداخلة: قد يتصاعد العدوان الصيني بسبب غياب الوحدة والتحضيرات بين الطرفَين، وقد تتحول الانقسامات المرتبطة بحجم الانفصال عن الصين إلى سياسات غير متجانسة وتُضعِف الاستقرار في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وستشعر الولايات المتحدة بأنها مضطرة لتنفيذ استراتيجيتها في هذه المنطقة من دون الأوروبيين.

في خضم المنافسة المحتدمة مع الصين، حققت الولايات المتحدة هدفاً تشريعياً مهماً عبر إقرار قانون خفض التضخم في العام 2022، فهو يسمح بالقيام باستثمارات ضخمة في الشركات والصناعات الأميركية الصديقة للبيئة. يُحفّز هذا القانون الاستهلاك المحلي وقد يؤدي إلى سحب الاستثمارات من أوروبا، لكنه يجازف أيضاً بتهميش الدول الأوروبية التي تخشى أن تتبنى واشنطن السياسة الحمائية بشكلٍ دائم. سبق وبدأت فرنسا وألمانيا السعي إلى حصد دعم مشابه للصناعات الأوروبية، حتى أن ماكرون ألمح إلى إقرار قانون لشراء السلع الأوروبية. كذلك، اشتكت فرنسا علناً من اضطرار الأوروبيين لدفع أسعار تفوق ما يدفعه الأميركيون بثلاث أو أربع مرات مقابل الغاز الطبيعي، ما يثبت أن النزعات الحمائية قد تثير الانقسامات رغم توسّع التضامن العابر للأطلسي اليوم.

تزامناً مع زيادة شعبية اليمين المتطرف على طرفَي المحيط الأطلسي، يدرك ماكرون وبايدن حقيقة المخاطر السياسية التي يواجهها كل طرف. قد يُستبدَل كل واحد منهما بزعيم مستعد لخوض منافسة مدمّرة مع الخصوم أو شيطنة الشركاء. بالإضافة إلى إيجاد قواسم مشتركة في الملف الصيني والدفاع الأوروبي، يجب أن يقتنص بايدن وماكرون هذه الفرصة إذاً لتقوية العلاقة الثنائية استعداداً للأحداث المقبلة. لحماية التحالف من أي اضطرابات مستقبلية، تقضي أفضل الطرق بطرح آليات بيروقراطية جديدة وأكثر مرونة من المنتديات القائمة (مثل الناتو ومجموعة العشرين). قد تكون هذه الآليات ثنائية أو متعددة الأطراف، لكن يُفترض أن تمنع سوء التفاهم وتُحقق الأهداف الاستراتيجية المشتركة في جميع الأحوال.

على صعيد آخر، يملك بايدن وماكرون فرصة تاريخية لفرض الوقائع المستقبلية. بصفتهما زعيمَين لبلدَين يحملان طموحات عالمية تاريخياً، يمكنهما أن يبذلا جهوداً كبرى كي يثبتا أن العالم الديمقراطي يبقى حليفاً أفضل من العالم الاستبدادي. يتّفق الرئيسان على ضرورة معالجة التحديات والمشاكل الطاغية في البلدان النامية، وهما يدعوانها في الوقت نفسه إلى المشاركة في الدفاع عن المبادئ العالمية. في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه السنة، ألقى ماكرون وبايدن خطابات متشابهة على نحو مفاجئ، فقد دعا كلاهما بقية دول العالم إلى معارضة الحرب الروسية في أوكرانيا والدفاع عن سيادة الدول.

لكن في خضم هذه المنافسة لاستمالة العالم، يجب أن تُحقق ديمقراطيات متطورة مثل الولايات المتحدة وفرنسا نجاحات عملية لكسب تأييد البلدان النامية. منذ بداية أزمة كورونا، حين راحت دول غنية كثيرة تُكدّس الأقنعة ومعدات واقية أخرى، دعا ماكرون إلى تطبيق مبدأ «التعددية المُوجّهة بالنتائج» لتحقيق أهداف «الجنوب العالمي». وفي خطاب ألقاه خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في مصر الشهر الماضي، دعا إلى إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدعم المرحلة الانتقالية نحو الطاقة النظيفة، وأيّد دعوات الدول النامية إلى جعل النظام المالي متعدد الأطراف أكثر إنصافاً. لكن لا يمكن إحداث هذا النوع من التغيير من دون دعم الولايات المتحدة.

تستطيع فرنسا والولايات المتحدة أن تبذلا جهوداً مشتركة كثيرة لإصلاح المؤسسات الدولية وتسهيل تلبية حاجات الدول الفقيرة في مجالات المناخ، والوضع المالي، والأمن الغذائي، والديون، ومسائل كثيرة أخرى. لن تكون هذه المهمة سهلة، لكن يُفترض أن تصبح جزءاً من النقاش بين ماكرون وبايدن خلال هذا الأسبوع إذا أرادت فرنسا والولايات المتحدة الاستعداد جدّياً لأحداث المرحلة المقبلة.


MISS 3