الفيروسات "المفيدة" تؤثّر على صحّتك!

11 : 38

لا يزال أثر الفيروسات "المفيدة" على صحة البشر غامضاً نسبياً، لكن بدأ العلماء يكتشفون أهميتها تدريجاً. نسلّط الضوء في ما يلي على جزءٍ تجاهله الكثيرون في البيئة الميكروبية: الفيروم.

يعتبر العلماء الفيروم أكبر جزء من البيئة الميكروبية وأكثرها تنوعاً وحيوية، وتكون معظم الفيروسات في أمعائنا من نوع العاثيات. بالتالي، تكثر العاثيات بوجود الجراثيم.

تُعتبر العاثيات من أكثر الكائنات الحية شيوعاً على الأرض، فهي تنتشر في كل مكان تقريباً. ويصل عددها في بعض مصادر المياه العذبة إلى 10 مليارات في كل ميليلتر.تستهدف العاثيات الجراثيم وتتحكم بآلياتها الخلوية وتستعملها لنسخ موادها الجينية. لقد تأكدنا الآن من تأثير الجراثيم المعوية على الصحة والمرض، لذا ليس مفاجئاً أن تكون الفيروسات التي تنقل العدوى إلى الجراثيم المعوية مؤثرة أيضاً.

أصدقاء مدى الحياة


تصبح العاثيات جزءاً من حياة البشر في مرحلة مبكرة. حللت إحدى الدراسات عينات من العقي (أول براز ينتجه المولود الجديد) ولم ترصد أي أثر للفيروسات.لكن بعد مرور أسبوع على الولادة، احتوى كل غرام من براز الطفل على 100 مليون جزيئة فيروسية، وكان معظمها من نوع العاثيات. من الواضح إذاً أن الفيروم يرافقنا طوال حياتنا!

يحمل كل إنسان مجموعة مختلفة من العاثيات. يتقاسم الأشخاص الذين يتبنون الحمية الغذائية نفسها نقاطاً مشتركة إضافية، ومع ذلك تختلف العاثيات بشدة بين شخص وآخر. تقضي العاثيات على الجراثيم، لكنها قد تفيد مجموعات معينة منها في بعض الظروف.

في الأمعاء، تكون هذه الكائنات في معظمها على شكل طلائع العاثيات، ويندمج رمزها الجيني في هذه المرحلة مع جينوم الجرثومة، فيصبح جاهزاً لإنتاج العاثيات عند تنشيطها.

لا تؤذي العاثيات الجراثيم في هذه المرحلة من حياتها، بل تتعايش معها.

وبما أن الجراثيم تتبادل المواد الجينية في ما بينها، يمكن نقل الرمز الجيني لطلائع العاثيات بين الجراثيم الفردية أيضاً. بعبارة أخرى، يمكنها أن تتبادل الجينات المرتبطة بمقاومة المضادات الحيوية أو حدة الفيروسات أو المسارات الأيضية بين مختلف الأنواع الجرثومية. هذه العملية تفيد بعض الفصائل، ما يسمح لها بتوسيع موقعها. لكن قد يحصل نموها على حساب مستعمرات أخرى من الجراثيم في الأمعاء.

تتعاون طلائع العاثيات مع الجراثيم المضيفة، وتتعاون هذه الأخيرة مع الجسم عموماً. لذا قد تعطي هذه الطلائع أثراً إيجابياً وغير مباشر على الكائنات متعددة الخلايا، مثل البشر، بما يتجاوز المنافع الفورية التي تستفيد منها الخلايا الجرثومية المضيفة.

وعند تنشيط طلائع العاثيات، في أوقات الضغط النفسي أو عند تعرّض الجرثومة المضيفة للخطر مثلاً، قد تتغير البيئة الميكروبية في الأمعاء بدرجة كبيرة.

يكون هذا التحول من طلائع العاثيات الحميدة إلى عاثيات قابلة للتحلل كفيلاً بنسف مستعمرات الجراثيم، ما ينتج جراثيم "سيئة" مزوّدة بمساحة تنفسية محددة وقادرة على ملء الفراغ. تُسمّى هذه الظاهرة "خلط المستعمرات" وقد تطلق مشكلة "اختلال الميكروبيوم".

يترافق اختلال الميكروبيوم مع مجموعة من الاضطرابات الصحية، منها مرض التهاب الأمعاء، ومتلازمة التعب المزمن، والبدانة، وعدوى المطثية العسيرة، والتهاب القولون. لكن لم يتأكد الباحثون بعد من دور العاثيات في نشوء هذه المشاكل.

في حالات مماثلة، قد يختلّ الميكروبيوم عبر آليات أخرى، أو يصبح هذا الاختلال أحياناً جزءاً من أعراض المشكلة بدل أن يكون مسبباً لها.

مشاكل الفيروسات


لا يسهل تحليل الجراثيم لأنها شديدة الصغر، إذ يتراوح حجمها بشكل عام بين 0.4 و10 ميكرومتر. لكن تكون الفيروسات أصغر منها بعد، وتتراوح بين 0.2 و0.4 ميكرومتر فقط. عدا عن المصاعب التي ترافق دراسة الكائنات في هذا النطاق الضيق، تطرح الفيروسات تحديات أخرى.

إذا أراد العلماء أن يفهموا الأنواع الجرثومية الموجودة في مجموعة محددة، يجب أن يستخرجوا معلومات وراثية عنها. لتحقيق هذه الغاية، يعزل الباحثون مساحات مشفّرة ويطابقونها مع قواعد البيانات المتاحة. في أكثر الحالات شيوعاً، هم يستعملون جينة 16S rRNA. يمكن إيجادها في جميع الأنواع الجرثومية تقريباً، علماً أنها لم تتغير نسبياً رغم تطور البشر.

لكن تكون مناطق معينة من جينة 16S rRNA قابلة للتغير. تسمح الاختلافات بين هذه المناطق للباحثين بتحديد نوعية الفصائل الجرثومية.

على صعيد آخر، لا تتقاسم الفيروسات أي جينات متماثلة في تلك الفصائل. لهذا السبب، كانت دراسة الفيروم شبه مستحيلة حتى الفترة الأخيرة. لكن بدأ التقدم الحاصل في تقنية التجزئة يتجاوز العوائق تدريجاً. في هذه المرحلة، لا يزال أثر الفيروسات على صحة البشر غير واضح بقدر دوره في نشوء الأمراض. مع ذلك، يبدو أنها تؤدي دوراً محورياً في الحفاظ على جسم سليم. لكننا لن نفهم كامل آثارها إلا إذا أحرزت التقنيات البحثية تقدماً بارزاً. ونظراً إلى المخاوف المُلحّة من ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية، قد يؤدي تجدد الاهتمام بالعاثيات إلى تخصيص وقت إضافي لتحليل هذا العنصر الغامض من العلوم الطبية.

في مطلق الأحوال، سيكون فهم التفاعل بين مكونات البيئة الميكروبية بالغ الصعوبة لأن تركيبة هذه البيئة في الأمعاء لا تبقى على حالها في مختلف مراحل الحياة، ولا حتى خلال ساعات اليوم نفسه. من الواضح أن هذه المعركة ستكون طويلة وشاقة!


MISS 3