خالد العزي

المصارف والحراك اللبناني...

17 كانون الثاني 2020

02 : 00

تكسير واجهة أحد المصارف في الحمرا (رمزي الحاج)

لم تعد واضحة للجمهور اللبناني الصورة التي تتناقل عبر شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي، بسبب المهزلة التي تقوم بها المصارف اللبنانية في تعاطيها مع أموال المودعين والاذلال الذي يمارس بحق المواطنين نتيجة السياسة المالية التي باتت تفرضها جمعية المصارف بحق الشعب اللبناني.

من المؤكد أن الأعمال التي تمارس بحق الموظفين وبعض الفروع المصرفية من قبل بعض المجموعات الثورية هي ردة فعل او تحمل في طياتها موقفاً محدداً من قبل اطراف سياسية لها حساباتها الخاصة مع المصارف، هي اعمال غير مرحب بها وهي اعمال مسيئة للانتفاضة بالرغم من ردة فعل المواطنين غير القادرين على مجابهة المصارف ومدرائها.

فان ردة الفعل التي يقوم بها اصحاب الحق من المواطنين نتيجة مطالبتهم بحقوقهم المالية التي تمت الإساءة اليها من قبل المصارف نتيجة عدم المحافظة على الامانة المالية التي تم ايداعها في هذه البنوك التي تضخمت تضخماً غير مقبول من الفوائد العالية التي تلقتها من الدولة على حساب ودائع الناس.

لا شك بان النظام المصرفي اللبناني تلقى ضربة موجعة نتيجة السياسة المالية النقدية التي اتبعها المصرف المركزي وبسبب جشع اصحاب المصارف طوال الفترة الماضية في الممارسات المالية الخاطئة التي اتبعتها المصارف في الربح غير المشروع من خلال الاستفادة من الفوائد العالية التي قدمها البنك المركزي مما سمح لهذه الممارسة ان تقدم اموال المودعين كديون للدولة مما يعتبر خطأ فادحاً ارتكبته الدولة حيث بات كلام مدراء الفروع في ردهم على الزبائن بإمكانهم اعطاء اموالهم بشك بنكي ويمكن صرفه من البنك المركزي وكأن المواطن هو المسؤول المباشر عن خطأ المصارف مع الدولة.

لقد اقفلت المصارف في لبنان بقرار خاص من قبل اصحاب المصارف في بداية الانتفاضة وعطلت اعمال الناس، وتوقفت اموال المودعين دون رادع او حسيب قانوني وكاننا امام دولة خاصة في قلب الدولة رئيسها حاكم المصرف وجمعية المصارف الوزارة والبنوك والفروع هي الدولة.

فاذا شاهدنا الصور المنقولة من البنوك نرى الاعداد الكبيرة من القوى الامنية التي تحرس البنوك، فالبنوك لا يلزمها حراس لان الناس وضعت اموالها بكامل ارادتها وعن طيب خاطر، لكن المساءلة تكمن في كيفية اعادة هذه الاموال تدريجياً وفق خطة سياسة رسمية يجب تبنيها للمحافظة على هذا النظام المصرفي.

فالمشاكل التي تنقل من قبل الناس على وسائل التواصل الاجتماعي تشير الى الازدحام الكبير الذي بات يشكل حواجز بشرية امام المصارف بكل فروعها مما يسبب ازمة فعلية ترتكب مع الموظفين ومدراء الفروع وبسبب الردود والمعاملة التي تمارس ضد المواطنين اصحاب الحقوق وكأنهم هم الذين افتعلوا الازمة.

ومن هنا نرى ان المصارف تعمل بقانونها الخاص الذي بات يشكل عائقاً امام المواطن اللبناني من استرجاع ماله وخاصة بان هذه المصارف بالتعاون مع المليشيات ساهمت بنهبه وافلاسه، وهنا يمكن طرح السؤال باي قانون تتعامل المصارف التي تذل الناس امام ابوابها ويستفز موظفوها الناس التي تطالب بأموالها او المدراء الذين ارتبطوا مع السياسيين نتيجة وجودهم في هذه المراكز حيث بات هؤلاء الصورة الفعلية للنظام السياسي الذين هم موكلون بالدفاع عنه وفتح مشاكل استفزازية لكل زبون...

لكن المشكلة بان هؤلاء المدراء لم ينزلوا من الفضاء على هذه المراكز المالية وحصلوا على معاشات رفيعة، ليس لعبقريتهم الاقتصادية التي افتقدتها اليوم في عملية الحلول والمعالجة للازمة المستمرة منذ ثلاثة اشهر، فالأزمة مستمرة، والعنجهية متبعة من قبلهم، لكن لم يخطر في بالهم سؤال بان الازمة عاجلاً ام آجلاً ستنتهي لو بعد عدة سنوات فهل ستبقى الثقة بهم وبمصارفهم، وهل ستستمر هذه البنوك وفروعها ومدراؤها بحالها، بالطبع لا وبالتأكيد سيكون وضع مختلف. لان المصرفي اللبناني باقٍ وسيتخطى الازمة الحالية، لكن حتماً سيعاد النظر بالبنوك ورؤوس اموالها وموظفيها وطبيعة عملها القادم، ومجالس ادارتها وكيفية الشروط التي ستسمح للمواطنين بإعادة الثقة بها وبموظفيها.

طبعاً حل المشكلة بالدرجة الاولى ممارسة سياسة مالية تسمح بإعادة الثقة بهذا النظام المالي سريعاً والذي يفرض على كل مصرف يجتاز ازمة الافلاس بالنظر بالمدراء والسياسة المالية والفوائد.

ولكن يجب الوقوف امام اختراق الازمة من خلال القبول بالشروط التالية:

- تحرير الصرف (الدولار مقابل اللبناني) ولكن عن طريق البنوك بحسب سعر الصرف اليومي للبنك المركزي.

- تخفيض الفوائد عن الودائع الكبيرة والاحتفاظ بها لمدة معينة شرط ان تحافظ على الاموال المودوعة لمدة تحدد لاحقاً.

- على البنوك تسديد قسم من الدين العام من قيم الارباح التي جنتها طوال الفترة الماضية نتيجة الارباح العالية التي حصلت عليها .

طبعاً هذه الشروط المالية يجب ان يتم التوافق عليها مع السلطة السياسية التي يجب ان تتجرأ بالاعلان العلني عن الحالة الاقتصادية ومدى طبيعة الانهيار الذي يعيشه لبنان منذ فترة لكي ترسم خطة تقشفية تتحملها الدولة بطرح موازنة واقعية للدولة لمدة ثلاث سنوات تظهر من خلالها تخفيض مستوى الانهيار الذي تعيشه الدولة لكي تكون هذه الميزانية محطة ثقة من الدول الدائنة للبنان وتتعامل معها كي ترى جدية الدولة في تعاملها مع الازمة والخطوات المتبعة في المعالجة لكي تبدأ هذه الدول بداية بدعم الاقتصاد اللبناني وتؤمن خطوات امان للخروج التدريجي من الازمة .لكن لا بد من القول بان اهم خطوات مواجهة البنوك ومجالس اداراتها هو القضاء الذي بات ينتفض لمصلحة المواطنين ولمصلحة النظام المصرفي، من خلال تحريك دعاوى قضائية تسمح للمواطنين برفعها ضد البنوك والمجالس لحماية اموالهم ومنع البنوك من اعلان افلاسها، كي يتم ايجاد صيغة مالية وقانونية تحافظ على الاموال التي لم تحافظ عليها البنوك.