جان كلود سعادة

توسيع الخسائر

7 كانون الأول 2022

02 : 00

اللصوص والدجّالون حلفاء طبيعيّون ويسيرون جنباً إلى جنب في زمن جهنّم. فبعد ثلاث سنوات منانكشاف أكبر سرقة في تاريخ الكوكب، تستمر حملات الدجل المنظّم وسياسة تفخيخ الأفكار ونشر الفيروسات الفكرية لضرب الفهم السليم لما حصل وخلق حقائق رديفة مشوهة تخدم سرديّة عصابة السرقة والإحتيال.

فعلى سبيل المثال لنتوقف عند أحد اشهر إبداعات جوقة الدجل وهو عبارة «توزيع الخسائر». فهذا التعبير المؤلف من كلمتين يحمل مجموعة هائلة من المغالطات الخبيثة التي من أهدافها التأثير في كيفيّة فهمنا للواقع وطريقة تعاملنا معه وصولاً إلى معالجة الأزمة والخروج منها عبر إصلاح حقيقي وبناء مستقبل أفضل للبلد وجميع أبناءئه. لكن لا يجب التقليل من قدرة هذه الأفخاخ، ولو اقتصرت على كلمتين، على تزوير الواقع وإقناع الناس بخيارات تخرج عن المنطق وعن القانون أيضاً.

«الخسائر»


فالخسائر تنتج عادةً عن عمليات مراهنة أو مقامرة أو العاب حظ أو أعمال حربية أو عمليّات إرهابية كما يصحّ استعمالها بالحديث عن طاولة القمار أو طاولة الزهر أو المباراة الرياضية وكأس العالم في كرة القدم.

أما في حالة لبنان فهناك مجموعة معروفة من الأشحاص الذين وصلوا إلى مراكزهم بطريقة يُفترض أنها شرعيّة تمثلت بسيطرة كارتيل السياسة والمال أو ما نسمّيها «المنظومة» على مقدرات البلد. وعلى مدى عقود، قامت عن سابق تصور وتخطيط بنهب وتحاصص المال العام وعندما بدأت الموارد العامة تشح قامت هذه المجموعة عبر مصرف لبنان والمصارف التجارية بالسطو المنظم على ودائع اللبنانيين وما جنته أجيال من المغتربين اللبنانيين في الخارج وبددتها على تثبيت سعر الصرف وتوزيع الهبات والهدايا على المحظيين وكذلك استعملت الدولارات الحقيقية لإخراج ثرواتها الى الملاذات الضريبيّة.

هنا نعود فنسأل مرّة ثانية، كيف يصحّ الحديث عن «خسائر» بينما الواقع هو عملية سرقة منظمة جرت على مدى سنوات طويلة وتمّت تغطيتها عن قصد بهدف الإستمرار في خداع اللبنانيين وإيقاع أكبر عدد منهم في الفخ. إبدال كلمة «سرقة» بكلمة «خسارة» تضفي عليها صفة قدريّة حاسمة لا يمكن مراجعتها او مقاومتها او مساءلتها.

وهذا تماماً ما تريده المنظومة، عفو عام مالي عن كل السرقات والهندسات و»التزبيطات» يُستكمل بتمرير بضعة قوانين وينتهي الأمر.

«التوزيع»


عبارة التوزيع تفترض ان هناك مسألة تخصّ مجموعة من الناس او المجتمع عامّة ويجب توزيعها على الجميع وكأن الفاعل او السارق أو المجرم مجهول وهو في الحقيقة معلوم ومحصّن ويحاول الإفلات من المحاسبة والمحاكمة بكافّة الطرق فلم يبقَ من حل سوى توزيع ما تمت سرقته على المجتمع وخصوصاً على الذين لا دخل لهم بالجريمة لا بل هم ضحيتها المباشرة. فمبدأ «التوزيع» كما كلمة «خسائر» يهدف أيضاً إلى تجهيل الفاعل وتحصينه من المحاسبة عبر توزيع فاتورة أعماله على الآخرين.

وللتذكير، هناك عمليتا سرقة وليس واحدة فقط. ففي السرقة الأولى تمّت سيطرة المنظومة على البلد وعلى مؤسسات الدولة والوظائف والمراكز فكان الحل الوحيد أمام الكثير من اللبنانيين الذين سرقت منهم الفرص لتوزيعها على الميليشيات هو الهجرة للعمل ولتأمين حياة كريمة لمن بقي من عائلاتهم إلى أن تمت السرقة الثانية عن طريق تحالف المصارف ومصرف الدولة المركزي.



مسروقات وسارقين

فرق شاسع بين «المسروقات» و»الخسائر»، وقيمة المسروقات لا «توزّع» على ضحايا السرقة بل تستعاد من السارقين وعائلاتهم وشركائهم في الداخل والخارج. فهكذا تقول جميع القوانين إذا بقي من يُطبقها. والأخطر من السارق هو الدجّال الذي يزيّن للسارق طريق السرقة ويغطي على فِعلَته لتهريبه من المحاسبة. فالمجموعة المجرمة التي تمسك بخيوط اللعبة وتشابكاتها إرتكبت الجرائم على مدى عقود وهرّبت الغلّة قبل وبعد 17 تشرين وما زالت تخترع الأفكار وتزوّر القوانين وتبتكر المنصّات والبهلوانيّات لتعميق الحفرة وتوسيع الخسائر.

@JeanClaudeSaade

(*) خبير متقاعد في التواصل الاستراتيجي


MISS 3