الببغاء... متعاطفٌ بطبيعته؟

11 : 04

يختلف البشر وعدد من الثدييات الأخرى عن الحيوانات بلطفهم وميلهم إلى إعانة المحتاجين إلى أي شكل من المساعدة. لكن هل تحمل أي طيور صفة التعاطف أيضاً؟ يبدو أن هذه السمة موجودة لديها فعلاً، أقله في فصيلة محددة من الببغاوات.

أجرت ديزيريه براكس وأوغست فون بايرن من معهد "ماكس بلانك" لعلم الطيور في "سيويسن"، ألمانيا، بحثاً جديداً مفاده أن فصيلة من الببغاوات تتمتع بالقدرة على التعاطف مع الغير.

نُشِرت النتائج في مجلة "كورينت بيولوجي"، وهي تُسلّط الضوء على الببغاء الرمادي الإفريقي تحديداً. لم يكتفِ الباحثون في دراستهم بمراقبة هذا النوع من الببغاوات (ينشأ في الأصل في مناطق إفريقيا الاستوائية)، بل شمل البحث أيضاً المكاو أزرق الرأس، "نظيره" في أميركا الجنوبية.

درّب العلماء ثمانية ببغاوات رمادية إفريقية وستة من نوع المكاو، وذكروا في تقريرهم أن الفصيلتَين معاً تتميزان بذكائهما.

في المرحلة الأولى من التجربة، تعلمت جميع الببغاوات أن تعطي الباحث قسيمة مقابل حبة مكسرات كمكافأة.

بعد وقت قصير، حفظت جميع الطيور هذه الحيلة. ثم أراد الباحثون أن يعرفوا مدى حماسة الطيور لمساعدة شركائها على تلقي المكافأة مقارنةً بحماستها لتلقي المكافأة بنفسها. لمعرفة الجواب، وضعوا ثنائيات من الببغاوات من الفصيلة نفسها في غرفة صُمِّمت خصيصاً لها وتفصلها عن بعضها البعض وعن الباحثين، واستُعملت فتحات صغيرة للوصول إليها والتواصل معها.

أعطى الباحثون أحد الببغاوات القسائم المنتقاة، لكن لم يتركوا له طريقة لتسليمها للباحث وتلقي المكسرات. أما الببغاء الثاني، فتمكن من الوصول إلى الباحث لكنه لم يكن يملك أي قسائم مقابل المكسرات.

في كل حالة، كان الببغاء الذي يفتقر إلى القسيمة ينذر شريكه ويطلب منه المساعدة. في هذه الظروف، هل يسلّم الببغاء القسائم التي يحملها إلى آخر يفتقر إليها، مع أنه يعرف أن الببغاء الثاني وحده سيحصل على المكافأة؟

تبيّن أن معظم ببغاوات المكاو لا تبدي حماسة لمساعدة بعضها. وبما أن الببغاء الذي يحمل القسيمة يعجز عن تلقي المكسرات، لن يحصل عليها شريكه أيضاً.لكن كان الوضع مختلفاً بالكامل مع الببغاء الرمادي الإفريقي. فقد اختارت سبعة طيور من ثمانية مساعدة شركائها عبر إعطائها القسائم كي تتمكن من تلقي المكسرات. وحين قَلَب الباحثون الأدوار، تقاسمت الببغاوات القسائم مع شركائها بعد حصولها عليها بكل سرور. تشير هذه النتيجة برأي الباحثين إلى احتمال أن يتمتع هذا الببغاء بالقدرة على فهم مبدأ التبادل.

على صعيد آخر، اندهش العلماء لأن الببغاوات الرمادية الإفريقية اختارت أن تساعد بعضها البعض، حتى لو لم تكن مقرّبة من الطيور التي اختارها الباحثون كي تشاركها الغرفة.

يُشدد هذا الجانب تحديداً على ميل هذه الفصيلة من الببغاوات إلى مساعدة بعضها، بغض النظر عن العلاقة التي تربطها، وهي ظاهرة غير مألوفة. يوضح الباحثون أن الحيوانات في العادة تكون أكثر ميلاً إلى مساعدة أقرب الأفراد إليها ولا تشعر بأي اندفاع لمساعدة حيوانات لا تربطها بها أي علاقة.في المقابل، استمرت ببغاوات المكاو زرقاء الرأس بإثبات أنانيتها، حتى في التجارب الأخرى. عندما عرض الباحثون على الطيور وعاء طعام مشترك للجميع مثلاً، سحب الفرد المسيطر على المجموعة الوعاء بعيداً عن الطيور الأخرى وحرص على عدم وصولها إليه. لكن ما سبب هذا الاختلاف الواضح في سلوك فصيلتَين ذكيتَين من الطيور؟ لم يتأكد الباحثون من الجواب حتى الآن، لكنهم يفترضون أن هذه الظاهرة ترتبط باختلاف طريقة تنظيم الجماعات الاجتماعية في الفصيلتَين.

يكتب فون بايرن وبراكس في تقريرهما: "ربما تنجم الاختلافات بين فصائل محددة على مستوى التسامح الاجتماعي، لا سيما في موضوع الطعام، عن تنوع السلوكيات الاجتماعية في مختلف فصائل الببغاوات".

تعيش الببغاوات الرمادية الإفريقية ضمن أسراب كبيرة ويتغير أعضاؤها باستمرار. في المقابل، تميل ببغاوات المكاو زرقاء الرأس إلى تنظيم نفسها في جماعات أصغر حجماً وتتبع تسلسلات هرمية أكثر صرامة.يريد الباحثون اكتشاف معلومات إضافية عن الأسباب الكامنة وراء سلوكيات الطيور. لكنهم يجدون صعوبة معينة في تحليل سلوك الطيور الطبيعي في الحياة البرية. وفق بيانات "الاتحاد الدولي للحفاظ على البيئة"، يُعتبر وضع المكاو أزرق الرأس "حساساً" لأن جماعاته تتراجع سريعاً في الحياة البرية، وأصبح الببغاء الرمادي الإفريقي برأي الخبراء مُهدداً بالانقراض اليوم.


MISS 3