سناء الجاك

من ديفيد هيل إلى ميشال إليو ماري

14 كانون الأول 2022

02 : 00

عندما يقول الباحث في مركز ويلسون، والسفير السابق في لبنان ديفيد هيل، إنّه على اللبنانيين "أن يعملوا لإيجاد الرئيس المناسب"، وإنّ كلّ الحلول يجب أن تنبع من الداخل، ويقول أيضاً: "لا تنظروا إلينا، بل إلى مسؤوليكم لتجدوا الإجابات عن طريقة الخروج من الأزمة"، فذلك يعني أنّ لبنان ليس على قائمة أولويات الولايات المتحدة، ومعها المجتمع الدولي. أو أنّ لبنان لا يزال مُلَزَّما إلى إيران عبر "حزب الله" الذي يدير "مسؤولينا"، وأنّ لا شيء سيتغيّر في المدى المنظور، وتحديداً عندما يشير إلى أنّ الحلّ لمشكلات لبنان ينحصر بالشق الاقتصادي، "ولا سيما بعد إيجاد النفط في المياه اللبنانية"، ويتجاهل الأسباب الموجبة لانهيار هذا الاقتصاد ومعه المصارف، وعندما يقرّ ويعترف بأنّ "العقوبات التي وضعت على أفراد في القطاع المصرفي، لم تؤثر على "حزب الله" مالياً، للأسف".

و"يا للأسف"، لأنّ نصيحة هيل بلبننة الاستحقاق الرئاسي، لا تختلف عن دعوات مسؤولي "الحزب" إلى التوافق. أيضاً هي لا تخرج عن الخط الأميركي المألوف منذ انعطاف الرئيس السابق باراك أوباما باتجاه الاتفاق النووي مع إيران، الذي جاء، ليس فقط على حساب لبنان، ولكن على حساب منطقة الشرق الأوسط ككل، والدول الخليجية بشكل خاص. ومعه بدأ فعلاً الانهيار الشامل في دول الاستعمار الإيراني، حيث تسود الكرامة والعزة وينحسر مفعول الشيطان الأكبر.

معادلة غريبة عجيبة، ففيها تلتقي ضمناً مصالح الأعداء في الخطابات والمواقف النارية، سواء في العراق مع حماية النفوذ والمصالح الإيرانية، مهما تطلّب الأمر من سفك دماء ومن إطاحة بنتائج الانتخابات النيابية، أو في سوريا لحماية بشار الأسد والتغاضي عن أسلحته الكيماوية وبراميله المتفجرة جرائم نظامه المصنّفة ضد الإنسانية بحق شعبه، أو...

وبفضل هذه المعادلة تستوي كلّ الظروف المناسبة لتفرد إسرائيل أجنحتها في المنطقة وتعزز أوضاعها وعلاقاتها، وصولاً إلى التطبيع الاقتصادي مع لبنان من خلال ترسيم الحدود البحرية وتقاسم حقول الغاز المائية، مع تغليب واضح لحصصها الوازنة على حساب حصّة لبنان المنتهكة والمغتصبة... وبرضى "حزب الله" وموافقته واحتكاره هذا الانتصار.

معادلة غريبة عجيبة، يدفع لبنان ثمنها منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ومنذ اقصاء المحقق الأول ديتيلف ميليس عن التحقيق بعد كشفه عن تورط مسؤولين سوريين ولبنانيين، ليخلفه سيرج براميرتس الذي وضع في الدرج لسنوات التقارير والمعلومات وخريطة الاتصالات التي دفع ثمنها الرائد وسام عيد عمره، وصولاً إلى ما أعلنته وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة ميشال إليو ماري من أنّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الحريري تعرّضت إلى ضغوط قوية جداً، أثّرت على صيغة البيان النهائي، وذلك بعدما تم حذف أسماء "شخصيات من النظام السوري متورطة بالجريمة"، لتلفت إلى أنّ "حزب الله" والنظام السوري مسؤولان سوياً عن اغتيال الحريري"، ولتتحفظ عن هوية القادرين على الضغوط هذه.


والأمر لا يحتاج إلى كثير من الذكاء والاجتهاد لنتبيّن معالم الصفقة التي يعقدها من يملك القدرة الأكبر على التأثير لتغيير صيغة البيان النهائي، بما يضمن حماية "النظام الأسدي". وهذه القدرة هي ذاتها التي تجمع مصالح الأعداء في ما بينهم لإخفاء كلّ ما يتعلق بجريمة تفجير مرفأ بيروت، وإخفاء صور الأقمار الصناعية عن أي تحقيق شفاف وموضوعي.

وبالطبع، ستستمر هذه المعادلة، وستستمر النصائح الأميركية، ليس فقط للبنانيين وإنما للعراقيين والسوريين واليمنيين والفلسطينيين. ولا بأس ببعض البيانات المستنكرة والمتعاطفة مع معاناة هؤلاء الذين ينعمون بسيطرة محور العزة والكرامة على خرابهم، والمنددة بوصولهم إلى الدرك الأسفل.


MISS 3