د. نبيل خليفه

الرهان السعودي الجيو - استراتيجيّ الأكثر خطورةً

15 كانون الأول 2022

02 : 00

بدعوةٍ رسميّة سعوديّة، زار الرئيس الصيني شي جينبنغ الرياض يوميّ الخميس 8 والجمعة 9 كانون الأول الجاري، حيث عقدت ثلاث قمم: قمّة سعوديّة– صينيّة، وقمة خليجيّة –صينيّة، وقمّة عربيّة– صينيّة. وكان واضحاً لدى الجميع أنّ وراء هذه القمم الثلاث مجهوداً بذله ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في سياق رؤية جيو- استراتيجيّة تقوم على الرهان بقيام تكامل صيني– عربي– اسلامي يشكّل لبنة أساسيّة في النظام العالمي الجديد ويكون له القول والفعل والكلمة في صياغة عالم اليوم. بل وأكثر، عالم الغد ايضًا! إنّ هذه الخطوة لولي العهد السعودي ليست مجرّد خيار سياسي عادي، بل هي في جوهرها وأبعادها ونتائجها رهان جيو- إستراتيجي شامل يتخطى الواقع القائم ويصبو إلى ارساء دعائم معادلة دولية جديدة تتخطّى المعادلات السابقة، وترسم معالم آفاق مستقبليّة مع ما في ذلك من صعوبات ورهانات وتحدّيات تطال قوى دولية كبرى وبل وفي مقدّمها الولايات المتحدة، ولذا رأى البعض أنّ رهانات ولي العهد هذه تحمل في طيّاتها مخاطر كبرى وتضعه شخصياً كما قيل في «فوهة البركان أو في عين العاصفة»!

لماذا؟

يقول هنري كيسنجر في مذكراته إنّ العالم الاسلامي يقع على خط الوسط من أندونيسيا إلى المغرب. ومن يسيطر على خط الوسط يسيطر على العالم! وبالاضافة إلى الموقع الجغرافي المميّز هذا، يمتلك العالم الوسط ما نسبته ثلثي (2/3) مصادر الطاقة في العالم. والميزة الثالثة لعالم الوسط هذا هي نسبة الولادات وبالتالي النمو الديمغرافي الأعلى في العالم. وهكذا يصبح عالم اليوم، والغد أيضاً، أمام المعادلة القائلة: إنّ الديمغرافيا هي التي تصنع التاريخ. وليس على هذه المعادلة أن تبقى خارج التاريخ.

روحيّة القمم الثلاث

وتطبيقاً لهذه المعادلة فإنّ الاسلام سيصبح الديانة الأولى في العالم وسيصبح حُكماً وشرعاً جزءاً من التوازن الذي يقوم عليه النظام العالمي. ومن هنا العمل المخلص والجاد الذي يقوم به البابا فرنسيس وسمو الشيخ أحمد الطيّب، شيخ الأزهر، ببناء وارساء قواعد الأخوة المسيحية–الاسلامية من خلال اعلان وثيقة الأخوة المسيحية–الاسلامية، كي تحكم العلاقات المسيحية–الاسلامية في المستقبل ميزة الأخوة لا سلبية التكفير! وهو ما تعكسه روحيّة القمم الثلاث التي عقدت في الرياض حديثاً!

ففي القمّة السعودية – الصينيّة أكد الجانبان «رفض واستنكار الارهاب والتطرّف بأشكالهما كافة، ورفض ربط الإرهاب بأي ثقافة او عرق او دين بعينه. وأهميّة نشر ثقافة الاعتدال والتسامح والتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب. وتشديد على الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والصين».

وفي القمة الخليجيّة – الصينيّة أكد الجانبان «على ضرورة ان تقوم العلاقات بين دول الخليج العربية وايران على اتباع مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها. وحلّ الخلافات بالطرق السلمية، والمشاركة في معالجة الملف النووي الايراني والأنشطة الاقليميّة المزعزعة للاستقرار والتصدي للجماعات الارهابيّة والطائفيّة والتنظيمات المسلحة غير الشرعيّة، وضمان سلامة الملاحة الدوليّة والالتزام بالقرارات الأممية والشرعية الدولية».

وفي القمة العربية-الصينية أكد الجانبان «تحقيق نهضة الأمّة وتعزيز السلام والتنمية في المنطقة. وتأكيد العرب على مفهوم الصين الواحدة وبالتالي بأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وذلك مقابل قبول الصين بالمشروع العربي للقضية الفلسطينية: «دولتان، عربية عاصمتها القدس الشرقية وعلى حدود 1967». ذلك بالتأكيد على أنّ القضية الفلسطينية تظل قضية مركزية في الشرق الأوسط وهي التي تتطلب ايجاد حل عادل ودائم لها على أساس حل الدولتين... وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

كما أكد البيان «على دعم الجهود الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل» وفي هذا النصّ توجّه واضح لايران وسعيها الدائم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. وبهذا تكون الصين قد خطت خطوة نحو الجانب العربي وابتعدت خطوة عن الجانب الفارسي. وهذا الموقف الصيني من ايران هو أهمّ ما يريده ويشدد عليه الجانب العربي ولا سيما الأمير محمّد بن سلمان نظراً للصراع الدائم بين ايران والسعودية حول موضوع اسلحة الدمار الشامل. وقد يكون موقف الصين هذا هو الذي شجّع العرب على التعاون مع الصين في كافة المجالات وهو ما بدا واضحاً في القمم الثلاث التي عقدت في الرياض.

ماذا يعني هذا التضامن والتحالف العربي مع الصين؟ ولماذا؟ وماهي نتائجه المحتملة على العرب وعلى سمو الأمير محمّد بن سلمان خاصة؟

عالم اليوم وعالم الأمس

من الواضح أنّ عالم اليوم يختلف عن عالم الأمس بكثير من الأمور ولا سيما بالتحالفات الاقليميّة. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي والسعي لإقامة نظام دولي جديد رأى الأمير محمّد بن سلمان، وهو في طليعة الحكّام العرب، بل والعالم، في صياغة رؤية مستقبلية تتخطى رؤية (20-30) وذلك بالسعي لقيام نظام عالمي جديد وقد كان العرب والمسلمون محرومين منه لسببين: قيادة اميركا هي أقرب إلى اسرائيل. وقيادة موسكو هي إلى جانب الالحاد الماركسي. وطبيعي أن يكون العرب خارج هذين الخيارين!

إن قيام بوتين بزيارة شخصة للأمير محمّد بن سلمان والنقاش معه لعدّة ساعات في أوضاع المنطقة والعالم هو دليل على أنّ خط اليسار في النظام العالمي القديم يعير الناحية النفسية والاخلاقية لدى العرب اهتماماً خاصاً، في حين أنّ اميركا وحلفاءها لا يعيرون هذه الناحية أي أهميّة، بل يستمرّون في مواقفهم المتحجّرة تجاه العرب والمسلمين عامة. لذا صار الواقع الحالي منقسماً بين اتجاهين: الصين والسعودية. روسيا وايران.

في ضوء هذه الاعتبارات ما هي مراهنات الأمير محمّد بن سلمان وما هي نتائجها ومخاطرها؟

الرهان الأول: هو رهان أمني. الرهان الثاني: هو رهان نفطي وفيه قرار السعودية ومنظمة اوبك بخفض كمية النفط وهو ما اعتبره الأميركيون موجهاً ضدهم. الرهان الثالث: هو رهان جيو–إستراتيجي على الصين كقوة عظمى قادرة وفاعلة في مسار النظام العالمي الجديد وهو ما عكسته القمم الثلاث في الرياض.

باختصار ووضوح وتحذير، يمكن القول إنّ المبادرة التي يقوم بها الأمير محمّد بن سلمان حالياً هي واحدة من أخطر المبادرات الواقعة على حدود الشرق والغرب في عالم اليوم. وبمثل هذا الرهان للأمير السعودي الشاب فهو يضع نفسه من جديد في عين العاصفة ليصبح القائد الأكثر استهدافاً ليس في العالم العربي فقط بل وفي العالم أجمع. فهو واقع تحت عدسة 3 قوى وأجهزة: الأجهزة الغربية، أجهزة القوى الصهيونيّة، وأجهزة الطاقة.

وكلّها تصبّ في منفعة اميركا واسرائيل!.. وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

(*) باحث في الفكر الجيوسياسي


MISS 3