طوني أبي نجم

حكومة مواجهة الثورة

23 كانون الثاني 2020

01 : 59

من يراقب بدقة تشكيل الحكومة الجديدة، والطريقة التي تشكّلت فيها، يدرك أن الهدف من هذه الحكومة هو محاولة مواجهة الثورة ليس أكثر. وتكفي ملاحظة كيف أن النائب جميل السيد لعب دوراً أساساً في عملية التشكيل للتأكد من أن ثمة نوايا مبيتة من الأدوار المطلوبة من هذه الحكومة في محاولة إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل آذار الـ 2005 لناحية إعادة إنتاج نظام أمني شبيه بالنظام الأمني السابق أيام الاحتلال السوري.

وفي هذا الإطار ثمة من ينظر بقلق إلى الدور الذي ستلعبه قوى الأمن الداخلي في عهد وزير الداخلية الجديد محمد فهمي الذي استهلّ إطلالاته الإعلامية بصورة فوتوغرافية تجمعه بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إثر استقباله في منزله مثنياً على أدائه، وهو ثناء بطبيعة الحال على أداء قوات مكافحة الشغب في استعمال العنف المفرط في مواجهة الثوار. وهذا الواقع يطرح أسئلة جدية حول ما إذا كان ثمة اتجاه لقمع الثورة في لبنان بالقوة، كما كان دعا المرشد الأعلى منذ بداية الثورة إلى قمعها على اعتبار أنها "شغب"!.

لكن سلطة الـ 2020 لن تتمكن من استعادة نماذج سلطة التسعينات من القرن الماضي يوم عمل النظام الأمني السوري - اللبناني على قمع كل معارضيه، فنفى العماد ميشال عون وحلّ حزب "القوات اللبنانية" واعتقل الدكتور سمير جعجع. فالفارق بين المرحلتين كبير، والأهم هو أن التسعينات شهدت فورة مالية واقتصادية ما سمح للسلطة بالتغطية على ممارساتها الأمنية بالجهود التي كان يبذلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري على صعيد إعادة الإعمار يومها. أما اليوم فإن لا شيء يمكن أن يغطي توجّه السلطة القمعي، بل إن الانهيار المالي والاقتصادي وحّد وسيوحّد اللبنانيين ضدها، كما أن المستهدف بالقمع اليوم لم يعد طرفاً أو جهة بل هو الشعب اللبناني بأطيافه كافة!

تبقى نقطتان إضافيتان يجدر التوقف عندهما: الأولى أن على رأس المؤسسة العسكرية اليوم قائد الجيش العماد جوزف عون لا العماد إميل لحود، ما يؤمن ضمانات كافية لعدم السماح باستخدام الجيش اللبناني كأداة لقمع اللبنانيين كما حصل في مراحل سابقة سوداء.

أما النقطة الثانية فتتمثل بأن أعين المجتمع الدولي تراقب ما يجري في لبنان عن كثب ولن تسمح باستباحة الشعب اللبناني، كما حصل حين تم غض النظر في التسعينات بفعل الصفقة التي كانت أجرتها إدارة الرئيس جورج بوش مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على خلفية المشاركة السورية الرمزية في حرب الخليج الثانية إلى جانب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت في مقابل تسليم لبنان إلى سوريا. ويكفي في هذا الإطار التذكير بكلام مساعد وزير الخارجية الأميركية السفير دايفيد شينكر من لبنان بأن إدارته لن تكرر ارتكاب مثل هذا الخطأ!.

في ظل هذه المعطيات تبدو فرص الحكومة الجديدة في مواجهة الثورة معدومة، فحكومة "حزب الله"- بشار الأسد في لبنان مصيرها السقوط عاجلاً أم آجلاً تحت قبضات الثورة التي باتت منتشرة في كل لبنان، كما تحت مفاعيل الانهيار المالي - النقدي- الاقتصادي - الاجتماعي الشامل والذي سيطيح بكل شيء...