العميد المتقاعد أنطون مراد

حقوقنا الحدوديّة الضائعة بين الخطوط

24 كانون الثاني 2020

02 : 00

يوقّع مراد كتابه السادسة مساء 4 شباط في قاعة بلدية الجديدة - البوشرية - السد
مرّت الحدود اللبنانية الجنوبية بثلاث مراحل تاريخية رئيسية، وقد تسبّبت كل مرحلة بخسارة لبنان لجزء من حقوقه بسبب تعدّد الخطوط وعدم تطابقها مع بعضها.

بعد أن تمّ وضع لبنان وسوريا تحت الإنتداب الفرنسي ووضع فلسطين تحت الإنتداب البريطاني بموجب اتفاقية سايكس - بيكو ومؤتمر سان ريمو، وبعد إعلان دولة لبنان الكبير من قبل المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو بتاريخ 31 آب 1920، تمّ توقيع اتفاقية بين فرنسا وبريطانيا حول مجموعة نقاط تتعلّق بانتدابهما على هذه الدول ومن هذه النقاط ترسيم حدود الإنتداب بينها.

بناءً على هذه الإتفاقية تم تعيين لجنة عُرفت بلجنة بوليه- نيوكومب قامت بعملية ترسيم الحدود فوضعت 38 نقطة على الحدود اللبنانية وصولاً حتى جسر الوزاني. فكان عمل هذه اللجنة بمثابة الترسيم الأول لحدود دولة لبنان الكبير وقد وقّعت فرنسا وبريطانيا على تقرير بوليه- نيو كومب وتم إيداعه عصبة الأمم فأصبحت حدود لبنان الكبير الجنوبية مُعترفاً بها دولياً.

خسارة مساحات

رغم أهمية هذا الترسيم، فقد تسبّب بسلخ القرى السبع عن لبنان وهذا الأمر يعني سلخ حزام حدودي يمتد من رأس الناقورة حتى جسر الوزاني بمساحة حوالى 150 كيلومتراً مربّعاً.

في العام 1948، إثر قيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، خاضت الدول العربية ومنها لبنان معارك طاحنة مع العدو الإسرائيلي انتهت بتوقيع اتفاقيات هدنة معه فوقّع لبنان اتفاقية بتاريخ 23 آذار 1949 وتم على أساسها تشكيل لجنة قامت بترسيم خط الهدنة فانطلقت من ترسيم العام 1923 ووضعت نقاطاً جديدة فأصبح مجموع النقاط الحدودية 143 نقطة من رأس الناقورة حتى المطلة. فكان هذا الترسيم بمثابة الترسيم الثاني للحدود اللبنانية. ورغم أن المادة الخامسة من الإتفاقية تنصّ على أن خط الهدنة يتبع خط الحدود الدولية، فقد تسبّب هذا الترسيم بخلق فوارق جديدة عن خط العام 1923 أدّت إلى خسارة لبنان مساحات إضافية من أراضيه.

أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الخط الأزرق، ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى مرحلتين: المرحلة الأولى هي وضع الخط الأزرق في العام 2000 والتثبّت من الإنسحاب الإسرائيلي على أساسه حيث ظهرت فوارق كثيرة بينه وبين خط الهدنة تسبّبت بخسارة لبنان مساحة 485487 متراً مربعاً من أراضيه.

والمرحلة التالية هي مرحلة تعليم الخط الأزرق بعد حرب تموز 2006 وصدور القرار 1701. بنتيجة التفاوض على عملية التعليم والتنفيذ الميداني لوضع النقاط على الأرض، تبيّن أن العدو الإسرائيلي لا يعترف إلا بالخط الأزرق الموجود على الخريطة الورقية المرفقة بتقرير الأمين العام للأمم المتّحدة في العام 2000. وهذا الخط سميك ويشكّل حوالى 50 متراً على الأرض. من هنا رفض لبنان هذا الخط لعدم دقته وطالب باعتماد الخط الذي تشكّله لائحة الإحداثيات التي تسلّمها من الأمم المتّحدة في العام 2000 والتي تضم 198 نقطة، كما طالب باعتماد الخط الأزرق الرقمي Digital Blue Line. بنتيجة ثبات الموقف اللبناني مارست اليونيفيل بعض الضغط فوافق العدو الإسرائيلي على تعليم الخط الأزرق استناداً إلى الخط الأزرق الرقمي لكنه بقي مصرّاً على أن قبوله بهذا الخط هو كوسيلة لتنفيذ عملية التعليم وليس كمرجع للخط الأزرق، مبرّراً موقفه هذا بأنه لم يستلم من الأمم المتّحدة في العام 2000 إلا الخريطة الورقية وأن لا علم له بلائحة الإحداثيات وبالخط الأزرق الرقمي.

من هنا يمكن القول أن الخط الأزرق هو عملياً ثلاثة خطوط: خط الخريطة الورقية، خط لائحة نقاط العام 2000 والخط الأزرق الرقمي.

فإذا أضفنا هذه الخطوط إلى خط الهدنة وخط الحدود الدولية يصبح لدينا خمسة خطوط على الحدود الجنوبية وبين كل خط وآخر هناك حقوق لبنانية مغتصَبة.

الحدود البحرية

هذا بالنسبة للحدود البريّة، أما بالنسبة للحدود البحرية الجنوبية فقد تسبّبت الخطوط المتعدّدة أيضاً بخسارة لبنان مساحات كبيرة من مياهه. فالخط الأول هو الخط الذي يصل إلى النقطة رقم (1) التي اعتمدها لبنان لتوقيع اتفاقية مع قبرص فانطلق منها رغم أنه يعرف أنها ليست النقطة الصحيحة. استغلّت إسرائيل هذا الخطأ وسارعت إلى توقيع اتفاقية مماثلة مع قبرص فانطلقت من النقطة رقم (1) التي اعتمدها لبنان.

بعد حوالى السنتين شكّلت الحكومة اللبنانية لجنة مشتركة لترسيم الحدود البحرية فوضعت هذه اللجنة خطاً حدودياً جديداً يصل إلى النقطة رقم (23) فخسر لبنان مساحة 860 كلم2 من مياهه بسبب الفارق بين هذين الخطين.

بعدها ظهرت المبادرة الأميركية فتم اقتراح خط جديد عُرف بـ "خط هوف" وقد قسم هذا الخط المنطقة الخلافية إلى قسمين فلم يوافق لبنان على هذا الخط.

هذا، وقد سبق لمكتب الهيدروغرافيا البريطاني UKHO أن قدّم للحكومة اللبنانية دراسة تُظهر أنه يمكن اعتماد طريقة ترسيم جديدة يصبح بموجبها خط الحدود جنوب النقطة 23 وذلك بعدم إعطاء جزيرة تخيليت التأثير الكامل.

من هنا نجد أنه أصبح هناك خمسة خطوط على الحدود الجنوبية البحرية: خط النقطة رقم 1، خط النقطة رقم 23، خط هوف، الخط الحسابي اللبناني وخط مكتب الهيدروغرافيا البريطاني( UKHO) وقد خسر لبنان مساحات واسعة من مياهه نتيجة الفوارق بين هذه الخطوط.

انطلاقاً من تجربتي التي اكتسبتها من خلال متابعتي لملف الحدود الجنوبية حيث كنت عضواً في لجنة الخط الأزرق وحاضراً في جميع تفاصيل التثبت من الإنسحاب الإسرائيلي عام 2000، وفي عام 2006، كنت ضمن اللجنة الثلاثية التي تقوم بمحادثات عسكرية غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي وعضواً في لجنة الخط الأزرق من ثم توليت رئاستها، كما أنني كنت اتابع كل تفاصيل الحدود منذ عام 2006 بصفتي رئيس مكتب الدراسات العامة في مديرية المخابرات، وانطلاقاً من قناعتي بأن الحدود هي رمز السيادة وأن التسبّب بخسارة الحقوق الوطنية هو جريمة سواء جاء نتيجة النقص في الخبرة أو نتيجة غياب المؤسسات الرسمية المعنية بهذا الملف الوطني الحساس، قرّرت إعداد كتاب يصبح كمرجع أسكب فيه تجربتي في هذا المجال والخبرات التي اكتسبتها طوال فترة متابعتي لهذا الملف الوطني الحساس لوضعه بتصرّف الأجيال القادمة وبخاصة المسؤولين المعنيين بموضوع الحدود.

سكبت تجربتي وخبراتي على صفحات كتابي بكل أمانة وبشكل تقني بحت بعيداً عن المزايدات والعواطف والأهواء الشخصية. وبعد جهد دام حوالى السنتين أصبح كتابي حقيقة ناجزة بعنوان "حقوق بين الخطوط" أوضحت فيه الحقوق اللبنانية المغتصَبة وحدّدت بدقة مكان وجودها والظروف التي أدت إلى خسارتها، كما شرحت النقاط التي قد يستغلّها العدو الإسرائيلي في المستقبل لقضم المزيد من الأراضي والمياه اللبنانية ووضعت بعض المقترحات التي أراها ضرورية لاستعادة حقوقنا المسلوبة ولمنع هذا العدو الغاصب من ممارسة المزيد من القضم للأراضي والمياه اللبنانية.

"حقوق بين الخطوط"

كتابي "حقوق بين الخطوط" كان حلماً فأصبح حقيقة، وسأقوم بتوقيعه عند السادسة من مساء الرابع من شهر شباط في قاعة بلدية جديدة المتن فأرجو أن يشكّل مرجعاً مفيداً وعاملاً مساعداً لاستعادة الحقوق اللبنانية المغتصبة.


MISS 3