أسعد بشارة

أسئلة إلى الرئيس السابق

30 كانون الأول 2022

02 : 00

سؤال يوجّه إلى رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، عن مدى انسجامه مع النفس عندما يهاجم شريكه في منظومة الحكم لسنوات طوال، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري: ألم تتحالف وبري في لوائح واحدة في الانتخابات النيابية، وألم يصوّت له العدد الكافي من كتلتك النيابية كرئيس ممددٍ له للمجلس النيابي، وأخيراً لا آخراً، ألم توفد له سراً صهرك جبران باسيل منذ أيام قليلة، ليعرض عليه ترتيب صفقة رئاسية، ولمّا رفض، عدت للتصويب عليه، وكأنك غسلت يدك من تهمة التواطؤ معه؟

هكذا يكون انسجام الرئيس السابق مع نفسه ومع من يستمعون إليه، سواء من يصدقونه بذاكرتهم المتواضعة، أو من اختبروا منذ العام 1988 أساليب الغش والشعبوية والتضليل والتحريض التي كانت كلها عنواناً لرغبة واحدة: أنا أو لا أحد، وهي رغبة استُنسخت اليوم في عنوان جديد: صهري أو لا أحد.

عندما يقول الرئيس السابق إنّه اختبر طوال السنوات الست المنظومة وأساليبها وكشفها على حقيقتها، وجب سؤاله على وقع استهتاره بذكاء اللبنانيين: ألم تأتِ في العام 2005 بشعار محاربة الفساد وهزّ عظام الفاسدين في قبورهم، وألم تشن الحملات في السياق إياه على «الحريرية السياسية»، وبري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فقط لأنّهم رفضوا انتخابك رئيساً، وألم تتحول إلى حليف لهم، عندما ساروا في انتخابك، فأصبح سعد الحريري «رمز الفساد» حليفك في الانتخابات، وغازلت جنبلاط، وتحالفت مع بري، وقضيت سنواتك الست أنت واياهم في جنّة السلطة، تتقاسم معهم ادارات الدولة ومغانمها. هل نسيت؟

وحاكم مصرف لبنان الذي تحمّله اليوم كل مسؤولية السقوط والانهيار، فيما هو الشريك المالي والنقدي لمنظومة كنت أنت ولا تزال على رأسها، ألست أنت من جدد له في حاكمية مصرف لبنان، ألا يستأهل هذا التجديد بحثاً معمقاً في أسبابه السريعة، بحيث تمت هندسته (على وزن هندسات رياض سلامة) على جناح الأرز، ليقوم أحد القريبين منك بتبرير التجديد لسلامة بأنه مطلوب من الأميركيين، فحصل التجديد على وقع شعارك الدائم: يستطيع العالم أن يسحقني ولا يأخذ توقيعي.

كان على الرئيس السابق ألّا يخاطب مَن تبقى مِن مصدّقيه، فالجميع يعرف أنّ السنوات الست وما سبقها وما تلاها، كان حاضراً على طاولة الحكومة، يفصّل ويخيّط ويمرر، فسالت الصفقات في جميع الاتجاهات بكل نعومة، وصدق تمام سلام حين وصف تلك الصفقات بأنّها صفقات «مرقلي لمرقلك». كان يقولها بألم كونه اضطر لترؤس حكومة «مرقلي لمرقلك»، التي كان فيها الرئيس السابق شريكاً في كل شيء. أمّا في حكومات السنوات الست وما تلاها، فحدّث من دون حرج، وراقب كيف كان يتم تمرير الصفقات بالتراضي، تحت أنظار رئيس الجلسة.

هل كان الرئيس السابق مضطراً لقول ما قاله، في طهرانية عصية على التصديق؟ الجواب نعم، لأنّ عون اعتاد على احتراف الغش في رواية تفاصيل الأحداث، اذ وجد أنها الطريقة الأمثل لحرف الانظار عن الحقائق المرّة التي بدأت تتكشف فصولها منذ العام 1988 وإلى اليوم. إنّه غشّ موصوف توّجته السنوات الست بحقبة هي الأكثر ظلاماً في تاريخ لبنان، يجهد الرئيس السابق أن يضيء في ليلها شمعة، لا تلبث أن تنطفئ.