خالد أبو شقرا

لبنان بيئة " غير صديقة" للأعمال

10 تموز 2019

12 : 03

المرونة في علم الاقتصاد تمثّل مدى استجابة متغيّر واحد أو أكثر للمتغيرات التي تحدث في متغير آخر. وعليه فإن لبنان، الضارب بعرض الحائط كل النظريات الإقتصادية، أظهر أيضاً مرونة مرتفعة في تراجع الأعمال والاستثمار، في استجابةٍ مباشرة لاستمرار عجز الموازنة، وتجاوز عجز ميزان المدفوعات الخط الأحمر.


شركات القطاع الخاص التي تماسكت لفترة طويلة، محاولة تمرير الأزمة بأقل خسائر ممكنة، بدأت تتداعى الواحدة تلو الأخرى تحت ضغط تفاقم عجز الدولة، وغياب أي إصلاح جدي. القطاع العقاري تلقى الصفعة الأولى، متأثراً بتراجع الطلب الداخلي وكذلك الخارجي وتوقف قروض الاسكان المدعومة. فأفلس بعض الشركات الكبيرة مثل "سايفكو"، وتوقف البعض الآخر عن إكمال المشاريع، ودخل معظمها في جمود دفعها الى تخفيض الأكلاف، وصرف قسم كبير من العمال والموظفين. والأزمة المستفحلة في العقارات أمتدت بشكل مباشر الى الشركات المتصلة بالقطاع وبشكل غير مباشر الى بقية الأعمال.


"العقارات" أوّل الخاسرين
رئيس جمعية تجار الأبنية في لبنان إيلي صوما، قال إن "لا مشاريع جديدة في القطاع وإن نسبة صرف الموظفين من الشركات العقارية فاقت الـ 50 في المئة في العامين المنصرمين". المهندس أحمد ممتاز قال بدوره إن "التراجع في قطاع العقارات بلغ هذا العام رقماً قياسياً ووصل الى 40 في المئة، فيما تراجع الطلب على شراء الشقق بنسبة 60 وحتى 70 في المئة. يضاف اليهما تراجع الطلب الخارجي على الخدمات التي كانت تقدمها شركات الهندسة والإستشارات اللبنانية. ما أدى الى توقف الكثير من مكاتب الهندسة وفروع الشركات العاملة في لبنان وإجراء تخفيضات كبيرة في أعداد العاملين".


الأرقام تتكلّم
رئيس فريق الابحاث الإقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل، يرى أن "مناخ الإستثمار وبيئة الاعمال في لبنان لا تشجع على القيام بأي أعمال او استثمارات جديدة. والسبب لا يعود فقط لارتفاع نسب الضرائب، إنما هو ناتج بشكل أساسي عن ارتفاع الأعباء التشغيلية، الضبابية السياسية، ترهّل البنى التحتية وارتفاع الضرائب وكلفة المعاملات مع الدوائر الرسمية". هذا الواقع يظهر بشكل أوضح بالأرقام التي نشرها بنك بيبلوس في تقريره الأسبوعي، والتي أظهرت تراجعاً في مختلف المؤشرات التي تدل على صحة وسلامة بيئة الاعمال. فمؤشر الإستثمارات الاجنبية المباشرة بالمشاريع الجديدة المعروفة بـ"greenfield" أظهر "أن نسبة الإستثمارات الأجنبية الجديدة في لبنان لم تتجاوز 0.2 في المئة من مجموع الإستثمارات في العالم العربي. وقد تراجعت في العام 2018 الى 147 مليون دولار مقسمة على 6 مشاريع فقط، مقارنة بـ 11 مشروعاً في العام 2017. أما مؤشر التنافسية العالمي، الذي يصدرعن "المنتدى الإقتصادي العالمي"، فقد أظهر أن 77 في المئة من بلدان العالم لديها إقتصاد أكثر تنافسية من الإقتصاد اللبناني. فيما أظهر المسح السنوي الذي يصدره "البنك الدولي" عن بيئة الاعمال، أن 60 في المئة من البلدان العربية لديها بيئة أعمال أفضل من لبنان. وبحسب مؤشر البنك الدولي للحوكمة والادراة الرشيدة، يأتي لبنان من ضمن الـ 20 في المئة من البلدان الاسوأ بتطبيق قوانينها حول العالم.



تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر عبر الحدود العربية بين العامين 2003 و2018 (مليار دولار)




"التجزئة" معطّلة
مؤشر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، بالتعاون مع الجمعية اللبنانية لتراخيص الإمتياز، أظهر بدوره انخفاضاً بنسبة 9 في المئة في قطاع تجارة التجزئة. الأمر الذي أدى بحسب نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، الى "توقف الإستثمارات بشكل كلي في قطاع البيع بالتجزئة". ويُرجع فهد، السبب الى "أسعار الفوائد التي ارتفعت أخيراً من 7.5 في المئة الى حدود 11 في المئة. مما ضاعف كلفة الإقتراض، وحرم الكثير من المؤسسات من فرصة التوسع وتكبير حجم أعمالها".


التوظيفات غائبة عن المطاعم
المشكلة نفسها تنسحب على قطاع المطاعم. الذي بدأ يسجل في السنوات الأخيرة تراجعات كبيرة في الإستثمارات الخارجية والداخلية. وبحسب أمين سر نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري عارف سعادة، فإن السبب يعود الى "تراجع القطاع السياحي في لبنان بشكل عام وانخفاض مردوده، وغياب القروض المدعومة للمشاريع بفوائد معقولة تتراوح بين 2 و3 في المئة، وتحوّلها الى قروض شخصية بفائدة تصل الى 15 في المئة".


الصناعيون يترقّبون
وحده القطاع الصناعي يعيش حالة من الترقب، مما قد ينتج عن الموازنة من إجراءات قد تساعده على الصمود لفترة أطول. والصناعيون يأملون أن تؤمن بعض الاجراءات نوعاً من الحماية من المنافسة غير الشريفة التي يتعرضون لها من دول تدعم أسعار منتجاتها وصادراتها. "نحن نشكل ثاني أكبر رب عمل بعد الدولة، ونوظّف بحدود 140 الف عامل"، يقول عضو جمعية الصناعيين الدكتور خليل شري، ليدلل على أهمية القطاع وتجذره. وهو إذ لا ينكر الصعوبات التي تواجه القطاع، يعتبر أن الرأسمال الصناعي متجذر أكثر من غيره، وأن انسحابه من السوق عادة ما يكون الأخير.


"بين آذار 2013 تاريخ استقالة حكومة نجيب ميقاتي، ولغاية تشكيل الحكومة الحالية في كانون الثاني 2019، لم تتعد فترة العمل الحكومي الـ 19 شهراً"، رقم أخير يضيفه غبريل، ليشير الى انعدام الحس بالمسؤولية عند المعنيين بالشأن العام، وعدم استجابتهم للدعوات الكثيرة لوقف الهدر والفساد، واتخاذ إجراءات فورية، تحصّن الإقتصاد، وتمنع ما نحن سائرون اليه مجبرين.


MISS 3