عماد موسى

تجوّلتُ، تفرّجتُ، وقرأت

6 كانون الثاني 2023

02 : 00

يوم أرسل إلي الزميل زافين قيومجيان كتابه ذا العنوانين : Beirut Guilty Pleasures و "كيف ما كنت بحبك"، وجدتني أبدأ تصفّحه من اليمين إلى اليسار، أي من صفحة الإمتنان لعشرات المصوّرين الفوتوغرافيين وصولاً إلى التمهيد الذي حدد فيه الكاتب نظرته إلى بيروت، المدينة ذات الظلال الثلاثة "باريس الشرق أيام العز، والأبنية المهدّمة والشوارع المقطوعة في زمن الحرب والفوضى، وإرادة الإعمار في أحلام التسعينات المستحيلة".

قرأت الكتاب / الألبوم، المشغول والمُنتج والمعدّ بحرفية وتصميم عاليي المستوى. قرأته بعيني مواطن بيروتي، يعرف مدينته جيداً وتاريخها العمراني وشوارعها وتحوّلاتها، وسبق أن قرأ ما كُتب عن برج المر ومبنى بركات وفندق السان جورج والهوليداي إن وتمثال الشهداء والتياترو الكبير، في متون كتب وفي الصِحافة المتنوعة.

وجلت بعينيّ بين صور، علي شحادي، شريك زافين في كتاب بيروت، وصور عشرات المصورين. صور بالأبيض والأسود والغبار. صور نابضة بالحرب. صورُ طالعة من البومات العمر وذاكرة ولد، أدهشه ذات يوم طاووس يتبختر في الطابق الأرضي لمبنى السيتي سنتر، استعدت على شاشة عينيّ ذكريات مراهق عاش خطر الموت وشرف الدفاع عن مدينة، أو جزء من مدينة، يوم هرّب أهلنا المقتدرون أبناءهم إلى باريس وعواصم العلم والرفاهية. جلت بعيني في المتحف الوطني وقد دشّنت حياتي الصحافية بتحقيق عن هذا الصرح الصامت. تنقلت بين المباني الهرمة، تأملت الصور الناجية من ركام استوديو "فوتو ماريو" وابتسمت لآخر صيحات التزيين النسائي. صالون ماريو من يتذكّره؟

تفرّجت في الكتاب / الألبوم الصادر عن دار "هاشيت"، على تفاصيل حياة مدينية أدمنتها وسرت في دمي. الفرجة متعة. كما القراءة. أحياناً تكون الفرجة مشوبة بأسى. حدقت في وجوه وتجاوزت أمكنة. وجدتني وأنا أقلّب الصفحات في زحمة "البرج" على احد مقاعد التياترو المهلهلة. تخيلت أزنافور شاباً وأم كلثوم تلوّح بمنديلها لعشّاقها، سرت في الوسط التجاري ململماً لحظات لا تُنتسى وتناولت عشاءً إفتراضيا في مطعم "لو بيناكل".

وفي الفرجة، والتجوال، وقراءة النصوص (العربية دون الإنكليزية) لم أطرح الأسئلة التي طرحها قيومجيان: أفعلاً نحبك (يا بيروت)؟ أجميلة هذه الجدران أو بغيضة؟ (...) أحان وقت هدم هذه الجدران أم ستسقط وحدها بمرور الزمن؟، كما لم أحلل المحطات الـ 12 كرموز لجلجلة ما، ولا سألتُ لماذا استعارة العبارة الرحبانية "كيف ما كنت بحبَّك" المكتوبة بصيغة المذكر والحب لبيروت الأنثى. جلّ ما فعلته بعدما وصلت إلى الصفحة 296، قفلتُ عائداً أفلفش الكتاب من اليمين إلى اليسار.


MISS 3