شربل داغر

أهي بداية نهاية نظام الملالي؟

9 كانون الثاني 2023

02 : 00

حصل هذا في حزيران-يونيو من سنة 2000، في زيارتي الأولى والأخيرة لطهران: كنا في سيارة صديقي وزوجته، في جادة "آزادي"، الرئيسية في العاصمة. كان الوقت مساء الخميس... بطءُ تقدمِ السيارات جعلني أُنعم النظر في ما يحيط بي... استرعتْني مشاهد هيصة لشبان وشابات في سيارات مجاورة. سألتُ صديقي محمد: ماذا يجري؟ أجابني: إنهم يستمعون بفرح إلى أغنيات غربية... استكملتُ السؤال: أهذه صدفة أم عادة؟ فأجابني: إنها عشية العطلة... مثل هيصة عشية الأحد في مدن غربية.

ثم عمدَ صديقي، في يوم تالٍ، عندما دعاني إلى بيته، إلى وضع فيديوات غنائية مصورة على شاشة التلفزيون، عائدة إلى إيرانيين منتشرين في العالم.

ولقد تحققتُ عندها من أن صديقي يشرح لي كيف أن الشباب لا يزال يرفض أحد قرارات الخميني الأولى: تحريم الموسيقى.

هذا ما تحققتُ منه في ظواهر اخرى، إذ انتبهتُ، في أكثر من شارع، ومحل تجاري، من أن صبايا إيرانيات كن يضعن على رؤوسهن ما هو أقرب إلى منديل منه إلى حجاب.

لن اعدد الشواهد القديمة، في تلك الزيارة اليتيمة والبعيدة، عن أن شباباً لم يمتثلوا واقعاً لتوجيهات "الولي الفقيه"، لا سيما في شؤون حياتهم اليومية.

هذا ما ترافق، في سنوات تالية، مع اخبار وقراءات كانت تفيد عن اشتداد الأزمة الاقتصادية، لا سيما بين المرشحين لسوق العمل والزواج. فقرأت في جريدة "الموند" الفرنسية، أن متزوجين جدداً كانوا مضطرين للعيش من دون سكن خاص بهم: يبقى الزوج في بيت أهله، والزوجة في بيت أهلها.

ما أريد التشديد عليه، هو أن المجتمع المدني فعلاً (لا الأهلي، كما في بلادنا) حيوي ونشط، مثل براعم يانعة عند اندلاع اي ربيع. ولا سيما في أوساط النساء والشباب والجامعيين. وهو مجتمع شديد التفاعل مع الاخبار والثقافة والقيم الغربية، بدليل التناغم الشديد مع الحركة النسوية المتصاعدة، ما ظهر في الحراك الجاري حالياً.

لهذا يمكن القول إن أزمة إيران الحالية عميقة أكثر من سابقاتها، إذ تجتمع فيها أسباب متعددة ومتراكمة، قديمة وناشئة.

الأكيد ان هذا الحراك غير المنقطع، مثلما حدثَ في تظاهرات اعتراض سابقة، مستمر، وتنضم إليه فئات وفئات لم يسبق أن عرف عنها مشاركاتها السابقة في الاعتراض والتحدي. بل الأجدّ والأميَز هو أن الأمر يتعدى التظاهر، إذ يتجلى في مناهضات علنية، عالمية (كما حدث مع فريق كرة القدم في "المونديال"). هذا ما يُعرّض "هيبة" الحُكم لأكثر من تصدع ومهانة وخفوت، ما يُفقدها بعض سطوتها الرمزية والعلنية على الناس.

الأكيد أن جديدَ ما يجري، وما لا ينتبه إليه محللون أحياناً، هو أنها أزمة جيل ضد بنية متسلطة.

أهذه بداية النهاية لنظام الملالي؟ أشك في ذلك. إلا أن الجديد هو أن التوازن السابق، الظاهري، والرمزي، والمادي، بين السلطة والجمهور، لا سيما الشبابي، قد اختل، ولم تعد العودة ممكنة إلى ما سبق، إلا بإطباق قبضةٍ عنفية شديدة على الإيرانيين.

بات النظام أضعف مما كان، على الرغم من عدته العنيفة المتمادية إلى خارج حدوده. هل سيتحول- من دون تعديلات اساسية في صيغة الحكم- ديكتاتوريةً عاريةَ العنف والهيبة؟


MISS 3