أدلة جديدة على أسباب الشيخوخة الحقيقية

إكتشف العلماء للتو دليلاً لافتاً عن السبب الحقيقي للشيخوخة، فرصدوا خللاً يُضعِف فاعلية الخلايا التي تكون في طور الشيخوخة مع مرور الوقت. تكشف الدراسة الجديدة خللاً في الجينات الطويلة والقصيرة داخل كل خلية من الجسم مع التقدم في السن، وقد يكون هذا العامل من أبرز أسباب الشيخوخة.



وردت هذه النتائج أيضاً في دراسة أجراها باحثون من جامعة "نورث وسترن" حول حيوانات مثل الفئران، والجرذان، وحتى البشر، لإثبات حصول خلل تدريجي في الجينات الطويلة والقصيرة. حلل الباحثون بيانات مأخوذة من دراسات متعددة عن الترنسكريبتوم.

يشير الترنسكريبتوم إلى مجموعة كاملة من الحمض النووي الريبي المرسال، وهي جزيئات يُعبّر عنها الكائن الحي. يمكن استعمال مصطلح "ترنسكريبتوم" أيضاً لوصف مجموعة من نُسَخ الحمض النووي الريبي المرسال التي يتم إنتاجها في خلية معينة أو نوع من الأنسجة.

يقول العلماء إن دراستهم أثبتت أن طول النسخة وحده يفسّر معظم التغيرات في الترنسكريبتوم تزامناً مع شيخوخة الفئران والبشر. يكشف البحث أيضاً عدم وجود جينات محددة للسيطرة على الشيخوخة، بل يبدو أن التقدم في السن يتأثر بتغيرات على مستوى أجهزة الجسم وهو يعطي آثاراً معقدة، ما ينعكس أحياناً على آلاف الجينات المختلفة والبروتينات ذات الصلة.

يوضح عالِم البيانات، لويس أمارا، من جامعة "نورث وسترن": "نحن نركّز في المقام الأول على عدد صغير من الجينات، على اعتبار أن جينات قليلة تستطيع تفسير الأمراض. ربما لم نكن نركّز على العامل الصحيح في السابق. الآن وقد تغيرت طريقة فهمنا لما يحصل، يبدو أن العملية هي أشبه بالحصول على آلة جديدة... وكأن العالِم غاليليو يحمل جهاز تلسكوب وينظر إلى الفضاء! من خلال رؤية النشاط الجيني من هذا المنظور الجديد، قد نتمكن من النظر إلى الظواهر البيولوجية بطريقة مختلفة".

تكون الجينات الطويلة والقصيرة متوازنة بشكل عام لدى الحيوانات الشابة. لكن تصبح الجينات القصيرة أكثر تأثيراً مع التقدم في السن.

يستنتج الباحثون أن الشيخوخة لا يمكن نَسْبها إلى سبب واحد مثل اختلال الترنسكريبتوم، بل إنها تنجم عن ظروف بيئية وداخلية متعددة قد تجعل الجينات القصيرة أكثر نشاطاً في الجسم.

لطالما انشغل البشر بالحفاظ على شبابهم وجمالهم، من الناحية الجسدية على الأقل، وقد أنتجت رحلة البحث الأبدية عن الشباب قطاعات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، وهي تسوّق منتجات وأدوية لمكافحة الشيخوخة. لكنّ هذه الحلول كلها تعجز عن وقف هذه العملية الطبيعية أو حتى إبطائها.

يُعتبر هذا النوع من الدراسات ثورياً إذاً لأنه يساعدنا على فهم التغيرات الخلوية التي تُسبب الشيخوخة، وقد يسمح للعلماء أيضاً بتحسين الأدوية والعلاجات المستعملة راهناً لمساعدة الناس في الحفاظ على شبابهم، والأهم من ذلك هو حماية صحتهم لأطول فترة.

يظن الباحثون أن فهم وجهة العلاقة السببية بين التغيرات الأخرى المرتبطة بالسن على مستوى الخلايا والترنسكريبتوم من جهة، واختلال الترنسكريبتوم المرتبط بالطول من جهة أخرى، قد يطلق وجهات بحثية جديدة لمكافحة الشيخوخة.

من المتوقع أن تتلاحق الأبحاث والتحليلات بعد دراسة جامعة "نورث وسترن"، حيث يتعمق العلماء في العلم الكامن وراء الشيخوخة. إذا استمر التقدم في هذا المجال، قد يتمكن العلم قريباً من تطوير ردود خلوية على الشيخوخة وأمراض كثيرة أخرى. لذا يُعتبر هذا البحث منطقياً جداً.