عبده جميل غصوب

اختصاص المحقق العدلي بقضية تفجير المرفأ المطلوب رده في البت بطلبات إخلاء السبيل: اقتراح بسيط لمسألة معقدة

ما زالت طلبات أخلاء السبيل العالقة أمام المحقق العدلي بقضية تفجير المرفأ طارق البيطار بدون بت، بذريعة غير قانونية مفادها أن القاضي المطلوب رده لا يمكنه البت بها.


هذا الرأي القانوني مدحوض بمنطوق المادة 125 أ.م.م للأسباب المذكورة أدناه، يضاف اليها سبب آخر مرتبط ارتباطا وثيقا بحقوق الإنسان.

السبب الأول: عدم شمول طلبات إخلاء السبيل بالتوقف عن متابعة النظر في القضية


تنص المادة 125 أ.م.م في صدرها انه " منذ تبلغ القاضي المطلوب رده طلب الرد عليه أن يتوقف عن متابعة النظر في القضية الى أن يفصل في الطلب".

بالمفهوم القانوني الصرف، " متابعة النظر في القضية " تعني متابعة السير بالدعوى، أي هنا في وضع المحقق العدلي متابعة النظر بالتحقيق، بدون ان يشمل ذلك البت بطلبات إخلاء السبيل غير المشمولة بـ " متابعة النظر في القضية ". فالقاضي يبت بها بالنظر الى ماهية الجرم ومدة التوقيف، وليس النظر الى موضوع التحقيق بذاته. وماهية الجرم محددة في ادعاء النيابة العامة التمييزية الذي تمت بموجبه إحالة الملف أمام المجلس العدلي حيث يتولى المحقق العدلي طارق البيطار التحقيق بالقضية تمهيدا لإصدار قراره الاتهامي الذي تحال بموجبه القضية الى المجلس العدلي لمحاكمة المتهمين أمامه. وبالتالي فالبت بقرارات إخلاء السبيل لا يمس بوظيفة المحقق العدلي الجوهرية (أو الموضوعية) والمتمثلة بأمرين:

1 – إجراء التحقيقات اللازمة.

2 – إصدار القرار الاتهامي بناء على التحقيقات المجراة منه.


فلا شأن إذا لمسألة البت بطلبات إخلاء السبيل التي لا تشكل على الإطلاق "متابعة النظر في القضية "، لان النظر في القضية المطروحة أمام المحقق العدلي طارق البيطار محصور بالنقطتين أعلاه: التحقيق ثم إصدار القرار الاتهامي.


ب ـ السبب الثاني: نص المادة 125 أ.م.م ذاته يتضمن تلطيفا لمسألة التوقف عن متابعة النظر في القضية

إن نص المادة 125 أ.م.م ذاته يتضمن في عجزه تلطيفا لمسألة التوقف عن متابعة النظر في القضية الى ان يفصل بالطلب، فيجيز " للمحكمة التي تنظر في طلب الرد في حال وجود ضرورة ان تقرر السير في المحاكمة دون ان يشترك فيها القاضي المطلوب رده ".

ان هذا التلطيف Atténuation لحدة النص - الذي يجيز للمحكمة في حال وجود ضرورة، ان تقرر السير في المحاكمة دون ان يشترك فيها القاضي المطلوب رده - يعني أمرين:

الأمر الأول: وجوب الأخذ بحالة الضرورة، والبت بطلبات إخلاء سبيل الموقوفين الذين مضى على توقيفهم فترة طويلة، نظرا لكون هذا الأمر يشكل "ضرورة ملحة "، خصوصا وان المحقق العدلي هنا لا يسير باي إجراء من إجراءات التحقيق ولا يصدر أي قرار في موضوع الدعوى المحالة أمامه، بل يكتفي بوجود "حالة الضرورة" الملطفة لحدة النص، لحل موضوع إنساني أكثر مما هو قضائي.

الأمر الثاني: اذا كان "صعباً" على المحقق العدلي إن يبت بطلبات إخلاء السبيل من تلقاء ذاته، فليس ما يمنع المحكمة الناظرة بطلب الرد ان تقرر ذلك هي ، بالرغم من وجود طلب رد ضدها، لان حالة الضرورة التي تبيح للمحقق العدلي البت بطلبات إخلاء السبيل، هي ذاتها تبيح للمحكمة الناظرة بطلب رده ( ولو كانت هي ذاتها موضوع طلب رد ) إن تقرر نظراً لوجود حالة الضرورة، البت بطلبات إخلاء السبيل مباشرة من قبلها.

ج ـ السبب الثالث: احترام قاعدة تسلسل القواعد (المادة 2 أ.م.م)


إن عدم البت بطلبات إخلاء السبيل بذريعة وجوب طلب رد ضد المحقق العدلي طارق البيطار، يخالف مبدأ عاما متعلقا بحقوق الإنسان هو مبدأ حرية الإنسان، الذي يشكل التوقيف الاحتياطي خرقا له. فالتوقيف امام المحقق العدلي، مهما كانت ماهية الجرم (أو طبيعته) ليس سوى تدبيراً احتياطياً (تحفظياً)، لكنه يتحول الى "اعتقال" وحجز حرية اذا طال أمده ولم يبت بطلبات إخلاء السبيل لأسباب عائدة الى "عرقلات سياسية" معروفة الهدف والمصدر.


وبالتالي، فنحن أمام تنازع بين مبدأ قانوني ونص تشريعي: مبدأ الحرية الشخصية الذي يمس به التوقيف لفترة طويلة إذ يتحول الى "اعتقال" ويشكل مسّا بحق الإنسان في العيش بحرية، وبين نص تشريعي شكلي "غير حاد" يغل يد القاضي عن متابعة النظر في النزاع، أي في متابعة التحقيق وإصدار القرار الاتهامي، كما اسلفنا، دون ان يصل الى حد منعه من البت بطلبات إخلاء السبيل.


فمهما كان التفسير المعطى لهذا النص " غير الحاد " والمتضمن في متنه تلطيفا عند توافر حالة الضرورة، فانه لا يمكننا إن نغلبّه على المبدأ العام، إعمالا لقاعدة الهرمية في تسلسل القواعد القانونية المنصوص عنها في المادة 2 أ.م.م، خصوصا إذا كان المبدأ المذكور ناهضا من المبادئ العامة الإنسانية التي تسمو على النصوص التشريعية.


د ـ آلية البت بطلبات إخلاء السبيل

هنا يمكننا اعتماد احدى الآليتين الاثنتين:

فإما إن يضع قاضي التحقيق العدلي المطلوب رده طارق البيطار يده على طلبات إخلاء السبيل بصورة مباشرة ويبت بها وفقا لما بيّناه أعلاه،

وإما أن تقرر المحكمة الواضعة يدها على طلب الرد (ولو كانت هي ذاتها موضوع طلب رد) ونظراً للضرورة الملحة، البت بالطلبات المذكورة.

في الخلاصة، نقول إن العلم القانوني ليس علما مغلقا، بل على العكس هو علم منفتح، ويجب أن تكون "العقول القانونية" خلاّقة وليست أسيرة تفسيرات خاطئة للنصوص التشريعية، تلك النصوص التي يجب أن تفسر في الاتجاه الذي يؤمن حقوق الإنسان وليس في الاتجاه المعاكس! نحن رجال القانون لسنا "خداماً" للنصوص التشريعية، أو أسرى لها، والاّ تحولنا الى أدوات تطبيق للقانون ونحن لسنا كذلك! فبدلا من البحث عن بدائل غير قانونية مثل "اختلاق" مؤسسة" محقق عدلي رديف" أو سواها من الهرتقات القانونية، فلنتطيّع النصوص التشريعية لجعلها أكثر انطباقاً على العدالة وحقوق الإنسان. اليس الإنسان هو الهدف الأساس للنص التشريعي؟



من دون أن ننسى أن جلاء الحقيقة في جريمة تفجير المرفأ ومعاقبة المجرمين هو الهدف الأساسي من التحقيق العدلي، فمهما حاول شذاذ الأفاق عرقلة التحقيق، لن ندعهم يحققون مآربهم الدنيئة، وجعل قضية الموقوفين شعارا كاذبا يحاولون من خلاله "تدمير التحقيق".


وتبقى العقول القانونية الخلاّقة هي الحل، وسط المأزق الذي نحن فيه.



* دكتور في الحقوق، بروفسور لدى كليات الحقوق، محام بالاستئناف، مستشار قانوني في الامارات العربية المتحدة ـ دبي.