محمد دهشة

أحمد الأسمر فَقَدَ بصره... لكن لم يفقد الأمل

16 كانون الثاني 2023

02 : 01

الأسمر... يبيع القدّاحات

لم يمنع فقدان البصر ولا ضعف السمع، الصيداوي أحمد محمد الأسمر (38 عاماً) من العمل لكسب قوت يوم عائلته المؤلّفة من زوجته وثلاثة أولاد هم: «فرح (9 سنوات)، محمد (4 سنوات) وعلي (سنتان)، إضافة إلى الوالدين حيث يعيشون معاً في منزل واحد في أحد أحياء صيدا القديمة.

على ناصية الطريق في شارع رياض الصلح الرئيسي قرب بلدية صيدا، يجلس الأسمر على كرسي صغير ليبيع قدّاحات بالمفرّق، سعر الواحدة منها عشرة آلاف ليرة لبنانية فقط، بالكاد يبيع بعضاً منها، لا تكفي مصروف العائلة في ظلّ الغلاء، ولكنّه يرفض مدَّ اليد وسؤال الناس.

ويقول الأسمر لـ»نداء الوطن»: «لم أكن أعمل من قبل، لقد أجبرتني تداعيات الأزمة المعيشية الخانقة التي انفجرت في العام 2019 على العمل، تقاعد والدي محمد وكان موظفاً في بلدية صيدا، وبات عاجزاً عن العمل وتأمين مصروفنا، تناقشنا في البيت عن الحلول الممكنة من أجل البقاء على قيد الحياة وقرّرت النزول إلى العمل وتوفير احتياجاتنا قدر الإمكان، بعدما تخلّينا عن كل الكماليات وأكثر من نصف الضروريات، الأوضاع صعبة ولا تطاق».

ويروي أحمد حكايته مع الظلام وأحلامه في بناء مستقبله، ويضيف «فقدت بصري حين كان عمري أربع سنوات، وضعف سمعي بعد ثلاث سنوات ما أجبرني على تركيب سمّاعات، ورغم ذلك تحدّيت الإعاقة ودخلت إلى المدرسة اللبنانية للضرير في بعبدا من العام (1992 – 2010)، حتى شهادة البكالوريا، كنت أطمح أن أصبح صحافياً، ولكن للأسف لم يساعدني سمعي على ذلك، ثم اندمجت بالمجتمع وتزوّجت بمساعدة والدي بعدما حصل على تعويضه الوظيفي، ولكن مع الأزمة الإقتصادية لم أجد مفرّاً من العمل مهما كان».

ويتابع: «والدي يوصلني كل يوم إلى هنا – قرب بلدية صيدا، وأبقى حتى الساعة الثانية ظهراً، ثم يعود ويصطحبني إلى المنزل مجدّداً ومعي غلّة اليوم، نشتري الطعام والشراب وحاجات الأولاد، ونقول الحمد لله الذي رزقنا، ولولا مساعدة الخيّرين وأصحاب الأيادي البيض من دون سؤالهم، لما كنا نستطيع الصمود في وجه شبح الأزمة والغلاء مع ارتفاع أسعار الدولار الأميركي، بينما كل ما نكسبه بالليرة اللبنانية».

ما يخفف وطأة معاناة الأسمر الثلاثية «فقدان البصر وضعف السمع وقلة الحيلة» ممارسته هويته في متابعة الأخبار عبر مجموعات «الواتساب»، يقول «لديّ هاتف ناطق، أتابع عبره الأخبار والتطورات السياسية والأمنية، وقد دفعني شغفي إلى إنشاء مجموعة إخبارية عبر «الواتساب» سمّيتها «النشرة الإخبارية» وفيها نحو 1022 مشتركاً، أرسل لهم الأخبار العاجلة وأحصل على التشجيع منهم لكسر العتمة وضنك العيش والوحدة».

والأسمر واحد من مئات ذوي الاحتياجات الخاصة في المدينة الذين حرمتهم قسوة الحياة من أبسط حقوقهم بالعيش الكريم، حتى باتوا يناضلون لكسب لقمة عيشهم، بعد ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض قيمة العملة المحلية، ويؤكد أنّه «مع كلّ صلاة يدعو الله أن يتعافى لبنان من أزماته الحياتية والمعيشية التي تكاد تخنق الناس، وقد حوّلت بعضهم عاطلين عن العمل، وآخرين مياومين، أو جعلتهم يعيشون اليأس والإحباط ويفكّرون بالهجرة هرباً من الموت البطيء والتدريجي وبصمت».


MISS 3