جاد حداد

Madoff: The Monster of Wall Street... أكبر عملية احتيال في التاريخ

18 كانون الثاني 2023

02 : 00

حوّل جو بيرلينغر مسيرته الإخراجية إلى مصنع للمسلسلات الوثائقية على شبكة "نتفلكس". سبق وأخرج أعمالاً ممتازة مثل Brother’s Keeper (حارس الأخ) وParadise Lost: The Child Murders at Robin Hood Hills (الفردوس المفقود: قتل الأطفال في روبن هود هيلز)، وهو رائد في إخراج الأعمال الوثائقية المقتبسة من جرائم حقيقية. من الواضح أن "نتفلكس" أدركت قيمته وحوّلته إلى مصنع حقيقي لمسلسلات شهيرة مثل Conversations with a Killer (حوارات مع قاتل) (شمل شخصيات مثل تيد باندي، جون واين غايسي وجيفري دامر)، و Crime Scene (مسرح الجريمة) الذي عرض أجزاء بعنوان Cecil Hotel (فندق سيسيل)، و The Times Square Killer (قاتل تايمز سكوير)، و Texas Killing Fields(حقول القتل في تكساس).

لطالما تميّز بيرلينغر بمفاجآته وبراعته في أعمال مثل Metallica: Some Kind of Monster (ميتاليكا: وحش من نوع ما)، وهو ينجح حتماً في رفع مستوى المسلسلات الوثائقية المستوحاة من جرائم حقيقية على "نتفلكس"، ويسهل التعرّف على بصمته عند مشاهدة أحدث أعماله،Madoff: The Monster of Wall Street (مادوف: وحش وول ستريت). قد لا يكون هذا الوثائقي مبهراً بقدر أعماله الأخرى عن القتلة المتسلسلين، لكنه يتناول موضوعاً بالغ التعقيد ويفصّله بأسلوب تسهل متابعته. يعرف الجميع أن بيرني مادوف كان مجرماً جشعاً، لكنّ أحداً لم يعرض نطاق "مخطط بونزي" الذي نفّذه بهذه التفاصيل يوماً. يذهب بيرلينغر إلى حد توجيه أصابع الاتهام إلى أشخاصٍ تجاهلوا ما يحصل عمداً.

بدأ بيرني مادوف مسيرته وهو يملك أسهماً بسيطة خلال الستينات، فبنى شركة عادت وعُرِفت باسم Bernard L. Madoff Investment Securities. تزامناً مع نمو شركته، أضاف مادوف عملاء رفيعي المستوى إلى قائمته، واعتاد على السفر حول العالم لاستمالة الأثرياء وإقناعهم بالسماح له باستثمار أموالهم. لكنه لم يكن يستثمر تلك الأموال مطلقاً. يستعمل عدد كبير من المحتالين خططهم لإخفاء استراتيجيات استثمارية رديئة، لكن كان مادوف أكثر جرأة منهم، فراح يأخذ الأموال من شخص ويدفعها إلى شخص آخر من دون صرف ولو فلس واحد في السوق الحقيقي. تحمل القصص المتعلقة بطريقة تنفيذ هذه الخطط جوانب مبهرة، منها استعمال بيانات الأسهم من اليوم السابق في الكشوفات وتعديل الوثائق كي لا تبدو مطبوعة حديثاً حين تحضر السلطات للتحقق منها. في مرحلة معينة، وُضِعت وثيقة ساخنة خرجت للتو من المطبعة في الثلاجة لبضع دقائق كي لا تبدو حديثة العهد. إنها ممارسات صادمة، وهي تؤكد على عدم تحرك بيرني وحده. يستحيل أن يقوم بكل شيء من دون مساعدة آخرين.

يسمح الوثائقي الجديد للخبراء والشهود بسرد هذه القصة، وتتخلله مشاهد إعادة تمثيل متعددة. يحاول بيرلينغر وفريقه إضفاء طابع جاذب على هذه المواد الجافة قدر الإمكان. هم يخصصون وقتاً طويلاً في مقاطع المقابلة لكاتبة The Wizard of Lies (ساحر الأكاذيب)، ديانا ب. هنريكيس، لأنها تعرف هذه القصة بحذافيرها على ما يبدو. هي تقدّم جميع التفاصيل الضرورية من دون اللجوء إلى أسلوب رتيب وممل.

على غرار جميع الأشخاص المعنيين بهذه القضية، تُعبّر هنريكيس عن غضب مبرر من نظامٍ فاشل على مستويات عدة. كان يمكن القبض على مادوف في مناسبات كثيرة، فقد بدا أحياناً وكأنه يرتكب جرائمه علناً، ومع ذلك تجاهلت الحكومة معلومات المخبرين الذين حاولوا النيل منه. يُركّز الجزء الأخير من هذا الوثائقي المؤلف من أربع حلقات على التداعيات المفجعة التي لا تقتصر على شجرة عائلة مادوف، بل تمتد أيضاً إلى عدد كبير من المستثمرين، منهم أشخاص ناجحون كانوا قد سحبوا الأموال التي حاولت الحكومة استرجاعها. سرعان ما يتحول الوثائقي إلى قصة تحذيرية ويُذكّرنا جميعاً بأن الجشع الإجرامي لا يبقى خفياً في جميع الحالات، بل إنه يسطع أحياناً لدرجة أن يعمي المسؤولين ويمنعهم من قمع المرتكبين.