بسان ضو

التحديات السياسية الأمنية الإقتصادية الإجتماعية أمام لبنان الرسمي

3 شباط 2020

02 : 00

تشهد الساحة اللبنانية منذ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، حالات من عدم الإستقرار السياسي – الأمني – الإقتصادي – الإجتماعي، حيث عمت التظاهرات الشعبية كل المناطق اللبنانية، وهي كانتْ تمثِّل تحدياً متواصلاً للسلطة القائمة خلافاً للنظام الديموقراطي، وتؤثِّر سلباً على كل المؤسسات اللبنانية الشرعية.. كما شكّلتْ المطالب الشعبية نوعاً ما نقطة تحوُّل في ميزان القوى على صعيد الحركة السياسية القائمة منذ الإنتخابات النيابية الأخيرة، والتي انعكستْ على الواقع الديموقراطي في البلاد سلباً وأفرزت كتلاً نيابية متخاصمة في كل الأحيان ومتوافقة بالإكراه كلّما تعرّضت مصالح القوى السياسية لأي خطر من الطبقة الشعبية.

وعملياً غدا الوضع الذي يشهده لبنان والتطورات السياسية سبباً جوهرياً في ظهور النفور الشعبي ذي الصبغة السياسية الرافضة لسياسة الأمر الواقع والسمسرات والصفقات. ولمّا باتتْ الحركات الإحتجاجية تؤثر على سياسة الحُكّام الحاليين ومصالحهم كان لا بُدّ أن يعي هؤلاء السّاسة مدى تأثير هذه التحركات على واقعهم السياسي، ممّا ألزمهم تكثيف جهودهم وتوحيد مواقفهم، من أجل رسم خطّة محكمة تَحدّ من الحركات الإعتراضية في الشارع وتقلِّصُها وكانت " تظاهرات التكسير والتعدي على القوى الأمنية والأملاك العامة والخاصة".

إننا وبدون خجل ومواربة أمام مصطلح علمي سياسي وهو التحديات السياسية ووفق العلم السياسي تعرّف "التحديات" السياسية بكونها الأزمات والصعوبات المتعلقة بالأمور السياسية التي تنظِّم أمور الدولة وتدبِّر شؤونها على الصعيدين الداخلي والخارجي، والتهديدات التي تواجهها الدولة في علاقاتها مع الغير من الدول، وأيضاً مشكلة معضلة التحوّل الديموقراطي التي تؤثر عملياً على المجتمع، وتحقيق ما يُعرف بالإصلاح السياسي، ومدى اندماجها وتأثير العوامل الثقافية – الإقتصادية – الإجتماعية فيها... أما المصطلح الثاني فهو: الأمن الوطني أو المجتمعي ووفق منظور العلم العسكري يُحدّده العلم الإستراتيجي بكونه الحفاظ على سلامة الدولة ومؤسساتها وأفرادها وأمانهم من كل الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية، كما يُشدِّد العلم العسكري على ضرورة المحافظة على خمس ثوابت أمنية وهي: الشخص أي المواطن – العقل – المال – المؤسسات الرسمية والعامة – الدين، من أي اعتداء عليها سواء كانت تحديات وأخطاراً عسكرية تهدِّد أمن الدولة ككل، أو الأخطار التي يتعرّض لها الأفراد من خطف – قتل – سرقة – تخريب ممتلكات و...

أمام لبنان الرسمي العديد من المطبّات والتحديات وكلها خطيرة على الكيان اللبناني، والمسؤول سواء أكان علمانياً أم دينياً لا يملك ترف الوقت، فالجميع بحاجة ماسّة إلى الإنصراف لمواكبة الأخطار المحدقة وبمختلف اتجاهاتها. وعملياً ووفق خطة ممنهجة وسنداً للعلم تتطلّب مواجهة التحديات الماثلة أمام الدولة اللبنانية والشعب اللبناني نظرة متكاملة لمختلف جوانبها، تُراعي الأبعاد التنموية لكل معطى من الأزمة وترّقُب آثارها المتوقعة على كل القطاعات وهذه الضرورة لا بُدَّ منها لكي نتجنَّب الدخول في متاهات تناقض السياسات والتي تؤدّي بدورها إلى تقزيم أي إنجاز ربما قد يحصل مع الحكومة الحالية، والتأثير السلبي الذي يُعيق تحقيق أي إنجاز آخر. المطلوب اليوم من الحكومة الحالية في حال تمكّنت من العمل أن تمتلك الإرادة القوية على نفس الدرجة من الضرورة والأهمية كونها مبدئياً العنصر الحاسم في العمل في المجال السياسي والذي بدروه سينعكس إيجابياً على كافة القطاعات.

إنّ الحكومة الحالية ستُعاني من مصاعب جمّة، وفي مقدمها إنعدام الثقة وتباطؤ النمو جرّاء سياسات إقتصادية إعتمدَتْ في السابق وأثّرت سلباً على الوضع العام، كما إنّ هذه الحكومة أمام عجز مُزمن في الموازنة العامة، والإرتفاع المهول في المديونية العامة، وتراجع التنافسية الإقتصادية في لبنان. كما أنها أمام نِسَب كبيرة من البطالة وإقفال المؤسسات، والأخطر إنها أمام ظاهرة ترحيل المشاكل من دون اتخاذ قرارات مناسبة لحلِّها. كل ذلك يعني أنّ الحكومة أمام تحديات لها أبعاد: سياسية – أمنية – إقتصادية – إجتماعية تتمثَّل في تراجع الثقة الوطنية والدولية في مؤسسات الدولة الرسمية، وعدم الرضى على المعالجات والحلول التي ترفع عقب كل جلسة وزارية. إنّ العلم السياسي يؤشّر إلى ضرورة وجود قادة رأي شجعان ذوي رؤية إصلاحية وبحث جدّي ومعمّق في الأسباب والنتائج للخروج بحلول منطقية علمية على كافة المستويات لمعالجة أي تشوُّه موجود في البنية السياسية، والمطلوب أيضاً وضع تصوّر واضح زمني لما يمكن أن تستغرقه عملية المعالجة الصادقة.

على الحكومة الحالية التنَّبُه إلى لُبّ الأزمة الحالية وبكل تفرعاتها والى المعوقات التي ستتزايد كل يوم أمام أي مستثمر سيأتي إلى لبنان، إلى تناقص الإحتياط في العملات، إلى عجز الموازنة، إلى الهدر في المالية العامة، إلى التوظيف العشوائي، إلى البُنى التحتية المأزومة، وإلى ارتفاع الأسعار... كلها عوامل لن تتمكّن هذه الحكومة من مواجهتها إلاّ إذا وضعت حداً للعشوائية السياسية – الأمنية – الإقتصادية – الإجتماعية، وجوهر هذه الأزمة وحتى أي أزمة وطنية هي "منظومة سياسية فاسدة" أبطالها مسؤولون سياسيّون، وإذا لم تجد هذه الحكومة حلاً لهؤلاء السياسيين فحتماً محاولاتها ستبوء بالفشل الذريع ولن تتمكن هذه الحكومة من إحداث فجوة في جدار هذه الأزمة السياسية إلاّ إذا توافرت أمامها عدة عوامل منها داخلية – إقليمية – دولية، وأولويتها عدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، أنهي بسؤال: هل الأمر مُتاح ؟ّ

MISS 3