كيف أثّرت الحرب على قطاع النفط والغاز في سوريا؟

قصف جوّي يستهدف مستشفى في جسر الشغور

11 : 57

مستشفى جسر الشغور أصبح خارج الخدمة نتيجة القصف أمس (أ ف ب)

قُتِلَ 11 مدنيّاً بينهم أربعة أطفال على الأقلّ، أمس، في قصف جوّي في شمال غربي سوريا أدّى إلى خروج مستشفى من الخدمة، وفق ما أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان".
وأحصى المرصد السوري مقتل أكثر من ثلاثة مدنيين بينهم طفل في قصف طاول مستشفى جسر الشغور"، في ريف إدلب الغربي، كما قُتِلَ أربعة مدنيين آخرين على الأقلّ بينهم طفلان في ضربات استهدفت أحياء في محيط المستشفى".


وكشف مدير المستشفى بسام الخطيب لوكالة الصحافة الفرنسيّة، تعرّضهم "لضربتَيْن صاروخيّتَيْن ما أدّى إلى خروج المستشفى من الخدمة بسبب إصابة المولدات بالكامل"، مشيراً إلى أنّه "المستشفى الوحيد الذي يخدم منطقة جسر الشغور والقرى المحيطة بها". وأوضح أن "القتلى والجرحى نُقِلوا إلى مستشفى آخر نتيجة عدم القدرة على تقديم الاسعافات إليهم".


وأفاد شهود عيان، بأنّ ثلاثة مولدات على الأقلّ في المستشفى طاولتها الأضرار وتوقّفت عن العمل، فضلاً عن سيّارة اسعاف ملأتها آثار الشظايا. كما تضرّر مستودع المستشفى.
وتتعرّض منطقة إدلب ومناطق محاذية، التي تؤوي نحو ثلاثة ملايين نسمة، لتصعيد عسكري من قوّات النظام وحليفتها روسيا منذ أكثر من شهرَيْن، يترافق مع معارك ضارية تتركّز في ريف حماة الشمالي. وتُمسك "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بزمام الأمور إداريّاً وأمنيّاً وعسكريّاً في المحافظة التي تتواجد فيها أيضاً فصائل إسلامية مقاتلة أقلّ نفوذاً.


وقُتِلَ منذ نهاية نيسان أكثر من 550 مدنيّاً جرّاء الغارات الجوّية والقصف السوري والروسي، ما ألحق أضراراً بأكثر من 25 مرفقاً طبياً و45 مدرسة في ريفَيْ إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، وفق حصيلة للمرصد.


توازياً، سيُحقّق فريق جديد متخصّص في الأسلحة الكيماويّة في 9 هجمات حدثت في سوريا. وسيكون الهجوم على دوما العام 2018 من أوائل الهجمات التي سيُحقّق فيها فريق منظّمة حظر الأسلحة الكيماويّة. وفريق التحقيق الجديد التابع للمنظّمة سيتمتّع بسلطات جديدة لتحديد المسؤولين عن الهجمات، وفق ما أفادت تقارير دوليّة.


سياسيّاً، أنهى الموفد الأممي إلى سوريا غير بيدرسون الجولة الأولى من المحادثات مع وزير الخارجيّة السوري وليد المعلم، واصفاً إيّاها بأنّها كانت "جيّدة جدّاً". وأكّد أن اللقاء مع المعلم أمس "أحرز تقدّماً"، مشيراً إلى "أنّنا قريبون جدّاً من إنشاء لجنة دستوريّة كباب للحلّ السياسي الشامل في سوريا". ولفت إلى أنّه تمّت مناقشة الوضع في إدلب خلال الاجتماع، معرباً عن أمله في أن تكون هناك "إعادة للاستقرار وعودة سريعة للاتفاق الروسي - التركي".


بدورها، أعلنت الخارجيّة السوريّة في بيان إثر اللقاء، "تحقيق تقدّم كبير والاقتراب من انجاز اتفاق لجنة مناقشة الدستور".


وتأتي زيارة بيدرسون الرابعة إلى دمشق بعد زيارة قام بها إلى موسكو الأسبوع الماضي، بحث خلالها مع المسؤولين الروس مسألة اللجنة الدستوريّة السوريّة. وشدّد وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف خلال لقائه بيدرسون في موسكو، على أن تشكيل اللجنة الدستوريّة خطوة مهمّة لبدء التسوية السياسيّة في سوريا.


إلى ذلك، وافقت المملكة المتّحدة وفرنسا على نشر قوّات خاصة إضافيّة في سوريا، بحسب صحيفة "الغارديان". وأفادت الصحيفة البريطانيّة نقلاً عن مسؤولين أميركيين، بأنّ البلدَيْن يعتزمان زيادة عدد قوّات النخبة في سوريا بنسبة تتراوح بين 10 و15%، بهدف محاربة ما تبقى من جيوب لتنظيم "داعش". وتُعتبر هذه الخطوة انتصاراً كبيراً لفريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأمن القومي، خصوصاً بعد رفض ألمانيا طلباً أميركيّاً بنشر قوّات برّية في سوريا، فيما لا تزال إيطاليا تدرس الأمر.


النفط والغاز
اقتصاديّاً، مُنِي قطاع النفط والغاز بخسائر فادحة بسبب النزاع الدموي المستمرّ في سوريا منذ ثماني سنوات، تُقدّر بعشرات مليارات الدولارات. وتتقاسم قوّات النظام و"قوّات سوريا الديمقراطيّة" بشكل أساسي ثروات النفط والغاز، إذ تقع أبرز حقول النفط وأكبرها تحت سيطرة الأكراد، فيما تُسيطر دمشق على أبرز حقول الغاز.


وتُسيطر "سوريا الديمقراطيّة" بشكل رئيسي في دير الزور (شرق) على حقول العمر، وهو الأكبر في البلاد، والتنك وجفرا. كما تُسيطر على الرميلان في الحسكة (شمال شرق) وحقول أصغر في الحسكة والرقة (شمال). ويقع حقلا كونيكو للغاز في دير الزور والسويديّة في الحسكة تحت نطاق سيطرتها.


من جهتها، تُسيطر قوّات النظام بشكل رئيسي على حقول الورد والتيم والشولة والنيشان النفطيّة في دير الزور، وحقل الثورة في الرقة وحقل جزل في حمص (وسط). كما تُمسك بحقل الشاعر، أكبر حقول الغاز، وحقول صدد وآراك في حمص.

ولطالما شكّل قطاع النفط والغاز مساهماً رئيسيّاً في إيرادات الحكومة، إذ ساهم في العام 2010 بنسبة 35 في المئة من عائدات التصدير و20 في المئة من إيرادات الدولة. ومع اندلاع الحرب العام 2011، تعرّض القطاع لأضرار كبيرة نتيجة المعارك التي طالت حقوله والقصف الذي طاول منشآته، إضافةً إلى خسارة القوّات الحكوميّة أبرز حقول النفط والغاز، تزامناً مع فرض الدول الغربيّة عقوبات اقتصاديّة واسعة على دمشق. ومع تراجع الإنتاج، بلغت خسائر سوريا في قطاع النفط والغاز خلال سنوات النزاع، 74.2 مليار دولار أميركي، وفق ما كشف في الآونة الأخيرة وزير النفط والثروة المعدنيّة علي غانم لوسائل إعلام رسميّة. وقبل الصراع السوري، بلغ انتاج النفط الخام نحو 385 ألف برميل يوميّاً مقابل 21 مليون متر مكعّب من الغاز، ليصل العام 2016 إلى أدنى مستوياته، مع 2000 برميل نفط يوميّاً ونحو 6.5 ملايين متر مكعب من الغاز. وفي العام 2017، وإثر استعادة قوّات النظام السيطرة على حقول حمص بعدما كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش"، ارتفع الانتاج بشكل محدود، وفق غانم، في هذه المنطقة، إلى ما يُقارب "17 مليون متر مكعّب من الغاز، و24 ألف برميل من النفط الخام". إلّا أن هذا الإنتاج لا يسدّ حاجة سوريا التي تُقدّر بنحو 136 ألف برميل نفط. وبالتالي، فإنّ ما يُنتج حاليّاً يُشكّل 20 في المئة من حاجة سوريا من النفط وما بين 60 و70 في المئة من حاجتها للغاز.


ونتيجة الخسائر المتراكمة في هذا القطاع جرّاء انسحاب الشركات الغربيّة بعد الحرب الضارية التي عصفت بالبلاد، باتت دمشق مجبرة على استيراد حاجتها من الدول الحليفة من خلال الالتفاف على العقوبات الغربيّة. واعتمدت بشكل رئيسي على خط ائتمان من إيران لتأمين حاجاتها من النفط. إلّا أن العقوبات الأميركيّة القاسية على طهران عقّدت الموضوع أكثر، فتوقّف الخط الإئتماني عن العمل. ولم تصل أيّ ناقلة نفط منذ تشرين الأوّل 2018 حتّى مطلع شهر أيّار 2019.


وأدخلت تلك العقوبات سوريا في أزمة محروقات اشتدّت خلال فصل الشتاء وأجبرت الحكومة على اتّخاذ اجراءات تقشفيّة واسعة. وتفاقمت العقوبات تدريجيّاً لتشمل الموردين وأسماء السفن والمرافق، وطالت السفن كافة التي كانت ترتاد سوريا لتأمين المشتقات النفطيّة.


واعترضت سلطات جبل طارق الخميس الماضي ناقلة نفط إيرانيّة للاشتباه بنقلها النفط إلى سوريا، بعد أسبوع من وصول ناقلة أخرى إلى ميناء بانياس. كما اتّهمت دمشق السلطات المصريّة بإغلاق قناة السويس أمام السفن المتوجّهة إلى سوريا.


وعمد النظام السوري خلال سنوات النزاع إلى شراء النفط من خصومه في مناطق سيطرتهم لتأمين جزء من حاجياته. وباعتبار أن أكبر وأبرز حقول النفط موجودة في شرق البلاد، تجد الحكومة السوريّة نفسها أمام خيارَيْن، إمّا استعادتها عسكريّاً، وهو خيار معقّد جدّاً وبالغ الخطورة نظراً للتوازنات الدوليّة التي ترسم الخريطة الجيوسياسيّة في سوريا، وإمّا التوصّل إلى اتفاق مع "سوريا الديمقراطيّة" حول مستقبل تلك المنطقة، بما يتضمّن تلك الحقول. وكانت "سوريا الديمقراطيّة" أكّدت في وقت سابق أن أيّ اتفاق مع النظام يجب أن يتضمّن تقاسماً عادلاً للثروات النفطيّة.


MISS 3