بيرني ساندرز...المرشّح الديمقراطي الأوفر حظاً؟!

10 : 07

تعافى بيرني ساندرز، في عمر الثامنة والسبعين، من نوبة قلبية أصابته قبل ثلاثة أشهر وتجاوز ظروفاً صعبة كي يصبح المرشح الأوفر حظاً عن الحزب الديمقراطي في المعركة على الرئاسة الأميركية. هو لا يزال هزيلاً ومجتهداً. خلال جولة له في "أيوا" في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ارتدى بذلة مع قميص مفتوح على العنق وكان شعره مرتباً. هو لم يعد يقول دعابات كثيرة في خطاباته الآن ولا يسرد القصص أو يذكر الأشخاص بأسمائهم، بل إنه اكتفى بمخاطبة آلاف الناس في "أيوا" ولم يُجِب على أي سؤال.


من الشائع أن نَصِف الانقسام الراهن داخل الحزب الديمقراطي بالمواجهة بين معسكرَيه اليساري والوسطي. بعبارة أخرى، ينقسم الحزب بين مستقبله المحتمل وواقعه الحالي. كشف استطلاع أجراه معهد "إيمرسون" في "أيوا" هذا الأسبوع أن 44% من الديمقراطيين تحت عمر الخمسين يؤيدون ساندرز، بينما يفضّل 10% منهم إليزابيث وارين. لم يصل أي مرشح آخر إلى نسبة تفوق العشرة في المئة. قد نفترض أن هذه النتيجة ستثير حماسة الديمقراطيين الآخرين، لكن لم يحصل ساندرز إلا على دعم زميل واحد في مجلس الشيوخ، وهو باتريك ليهي عن ولاية "فيرمونت"، وسبعة أعضاء في مجلس النواب. يوم الجمعة، حصد تأييد مشرّع واحد فقط عن ولاية "أيوا"، بينما حصلت إيمي كلوبوشار على دعم 18 مشرّعاً.

تقول هيلاري كلينتون عن ساندرز في فيلم وثائقي جديد عُرِض حديثاً في مهرجان "صندانس:" "لا أحد يحبه"! يبدو أن كلامها صحيح بدرجة معينة لكنّ سياقه مختلف. لم يعد ناخبوه يوحون بأنهم من خارج أوساط الحزب، بل يبدو أنهم باتوا أقرب إلى تشكيل قاعدة مستقبلية من الناخبين. تكلم وزير الخزانة الأميركي السابق، لاري سامرز، عن تحليل أجراه بالتعاون مع بعض شركائه، فاكتشف أن اقتراحات ساندرز ستضيف 60 تريليون دولار إلى برامج الإنفاق الجديدة، ما يساوي حوالى 20% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من برنامج الإنفاق الجديد الذي طرحته كلوبوشار بخمسين مرة، وأكثر من اقتراح جو بايدن بعشر مرات، وأكثر من وارين بمرتين. يقول سامرز إن برنامج ساندرز يساوي ثلاثة أضعاف حجم "الاتفاق الجديد". قد يعترض ساندرز على هذه الأرقام، لكن تكشف الفجوة العميقة بين حجم برامجه وبرامج خصومه جزءاً من السبب الذي يجعل مؤيديه يصرون على انسحاب ديمقراطيين آخرين.

صرحت ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، أبرز ممثلة لساندرز، لمجلة "نيويورك" في الشهر الماضي: "في أي بلد آخر، ما كنتُ لأجد نفسي في الحزب عينه مع جو بايــــدن". تتكل حملة ساندرز الأولية على احتمال أن يكون تغيّر الديمقراطيين قد بدأ.يوم السبت الماضي، في قاعة محاضرات مدينة "أميس"، حضر ساندرز مع أوكاسيو كورتيز ومخرج الأفلام الوثائقية مايكل مور، وجذب حشداً فيه أكثر من ألف شخص. راح مور يخاطبهم، فقال: "أنتم تشبهونني.

هذا هو الجمهور الكسول! نحن لا نحضر قبل ساعتين من الموعد لأي سبب"! لكن بغض النظر عن طبيعة حملة ساندرز، لا شك في أنها لا تستهدف المتكاسلين. كان ساندرز يعرف منذ بداية السباق الانتخابي أنه سيجمع الأموال أكثر من أي خصم آخر على الأرجح، وقد حصد حتى الآن أكثر من 96 مليون دولار وفق المسؤولين في حملته. مدير حملته هو فايز شاكر، لاعب كرة قاعدة سابق في "هارفارد" تدرّب في مكتب السياسي هاري رايد في مجلس الشيوخ.



يبدو دوره في حملة ساندرز مشابهاً لدور رام إيمانويل في حياة باراك أوباما الشاب: إنه الشخص الذي يفهم حقيقة النفوذ في أي حملة مثالية. تحمل حملة ساندرز شعاراً دقيقاً: "لا أنا، بل نحن"! في عطلة نهاية الأسبوع الماضي في "أيوا"، كان المتطوعون يضعون على قمصانهم أحدث الأزرار التي تجيب على الأسئلة المتعلقة بفرص انتخاب ساندرز، فكُتِب عليها: "بيرني سيهزم ترامب"! لا يزال برنامج ساندرز متطرفاً بقدر ما كان عليه في العام 2016، ولم تتراجع عقلية الحصار التي يحملها مناصروه. عشية يوم الجمعة، تصدرت رشيدة طالب، واحدة من أكثر ممثلي ساندرز جرأة، عناوين الأخبار لأنها أطلقت صيحات استهجان عند ذكر اسم هيلاري كلينتون في أحد التجمعات خلال الحملة الانتخابية (عادت طالب واعتذرت لاحقاً). لكن بدأت تحركات ساندرز، مع كل ما يرافقها من عواطف جياشة، تتخذ مساراً رابحاً. على جميع المستويات، يسـود تخبّط مثير للاهتمام بــين العجز والنفوذ.


في وقتٍ مبكر من صباح يوم الأحد الماضي، انتظر حوالى مئة متطوع في الحملة لمقابلة ساندرز في أحد المكاتب في مركز تسوق. كان نطاق تنظيم الحملة هذه المرة أكبر وأفضل مما كان عليه في العام 2016، وقد اتفق الجميع على ذلك. لكن بقيت الأجواء العامة مشابهة. تقول امرأة اسمها سيليا رينغستروم: "بكل صراحة، لا أرى أي فرق. أظن أن الوضع لا يزال على حاله". كان المغزى الحقيقي يتعلق بثبات مواقف ساندرز في وجه الانتهازية والنفاق من جانب الجمهوريين والديمقراطيين معاً. يقول رجل اسمه مايك ماكيلري: "هو يطلق المواقف نفسها منذ أربعين سنة". وبرأي أحد المنظمين، اختار ساندرز المعسكر الصائب في المنافسة القائمة بين "الديمقراطية والهمجية"، علماً أن الخيارات محدودة بين هذين المعيارَين.

على مر فصل الخريف الماضي، اتّضحت حقيقة مهمة في السباق الانتخابي: يبدو أن الديمقراطيين على أرض الواقع لا يشبهون صورتهم على تويتر، ما يعني أنهم ليسوا ملتزمين بالقدر نفسه بمزاعم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، حتى أنهم ليسوا يساريين بما يكفي. في العالم الحقيقي، يعجّ هذا الحزب على ما يبدو بمجموعة أكثر اتزاناً: يكثر فيه كبار السن وأشخاص أقل تعليماً وتقدمية. لقد أرادوا تحسين التأمين الصحي العام وإنشاء نظام ضرائب أكثر توازناً والعودة إلى شكل من اللياقة العامة.

باختصار، كانوا من مؤيدي أمثال جو بايدن. لكن في الأسبوع الذي سبق المؤتمرات الحزبية في "أيوا"، بدا وكأن الاختلاف بين مواقف الحزب على تويتر والعالم الحقيقي بدأ يتلاشى. تقول امرأة اسمها سارة بريزي في "أنكيني" صراحةً: "أنا لا أحب الأغنياء بكل بساطة. ربما لا أحبهم لأنني نشأتُ في بيئة فقيرة".حضرت بريزي التجمع هناك مع زوجها وابنتها البالغة من العمر خمسة أعوام، فأوضحت أنها كانت تعمل في شركة للتأمين الصحي، وإذا فاز ساندرز وتحققت خطة "الرعاية الصحية للجميع" التي يطرحها، ستخسر عملها على الأرجح. في العام 2016، كان النقاد يعتبرون أن حملتَي ساندرز وترامب تعكسان أحياناً شكلاً من السياسة "الرمزية"، حيث تكون مقاومة وضع المراوحة أهم من المواقف السياسية. لكن تبقى حركة ساندرز مادية في جوهرها: يريد مؤيدوها تطبيق خطة "الرعاية الصحية للجميع"، وفرض "اتفاق بيئي جديد"، وتوفير جامعات عامة مجانية، حتى أنهم تخيلوا تفاصيل هذه البرامج لدرجة أن يفكروا بانعكاساتها المحتملة على وظائفهم. قيّمت بريزي المخاطر والمنافع المتوقعة وقررت تأييد ساندرز في نهاية المطاف.

لقد مرّ وقت طويل منذ بداية هذه الحملة الأولية، حيث تبنى ستة مرشحين رؤية أوباما وحاولوا بناء صلة وصل بين الحاجات السياسية المعاصرة، بناءً على رؤية الحزب، وتحالفات المستقبل. لكن خرج معظم هؤلاء المرشحين من السباق الآن (كوري بوكر، جوليان كاسترو، بيتو أورورك، كامالا هاريس)، وضعفت فرص مرشحَين آخرَين بكل وضوح، وهما بيت بوتيج وإليزابيث وارين.

خلال بضعة أسابيع، قد يضطر الديمقراطيون للقيام بخيار بسيط ومؤثر بين بايدن وساندرز. في الأسبوع الماضي، بدا وكأن أهم القوى في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي في "أيوا" لم تكن تصطف وراء مايك بلومبيرغ وجو بايدن، بل تفضّل ساندرز.

في ولاية "أيوا" الباردة، احتشد جمهور ساندرز يوم الأحد الماضي في مبنى دار البلدية واجتاحتهم حماسة غامرة. لكن كلما زادت حيوية تلك الحشود، كان ساندرز يزيد تركيزاً وقلقاً وينتابه شكل من التناقض العاطفي. بدا وكأنه يحصر تركيزه بالفترة القصيرة التي تفصله عن المؤتمرات الحزبية ومحاكمة عزل ترامب التي تجبره على البقاء في العاصمة واشنطن. أعلن ساندرز: "أتمنى أن أعود إلى هنا. لا أعرف إذا كنت سأعود في منتصف الأسبوع. هذا ممكن لكن غير مؤكد".

بعد لحظات، بدا وكأنه استنتج أنه لن يتمكن من العودة على الأرجح، فأبطأ إيقاع كلامه لتوجيه رسالته الأخيرة وقال: "نعم، الهدف الحقيقي هو الترشح عن الحزب وهزم ترامب. لكننا نطلب المزيد منكم. نريد منكم أن تنضموا إلينا لتغيير هذا البلد". كان التجمع اللاحق يقع في مدينة "فورت دودج". لكنه لم يكن تجمعاً مطولاً وسرعان ما غادرت الحافلة الانتخابية المكان. أعلن ساندرز قبل بضع دقائق من رحيله أنه استمتع بتلقي الأسئلة من سكان "أيوا" على مر الحملة لكنه لا يملك الوقت الكافي للإجابة على أسئلة إضافية في ذلك اليوم!


MISS 3