شربل داغر

الشقاء العربي المقيم

30 كانون الثاني 2023

02 : 01

لم أجد تعبيراً أكثر تناسباً مع ما يعيشه أهل هذه البلاد، فيها وحولها.

كان البعض تفاءل، نزلَ إلى الشارع، تحققَ من أن آلافا والافاً يلتقون، ما أظهر شرارة قوية في ليل القمع الطويل.

كان البعض يقيم في بيته يوم الانتخابات - إن توافرتْ -، بحجة أن اللعبة معروفة سلفاً، وأن اي تبديل لن يفيد في شيء.

كان البعض - خاصة في روايات متأخرة - يتفقد بعض أوجه البؤس والتمييز أو التمرد، لا سيما النسوي.

وكان غيرهم يقتنع بـ "سيناريوات" مدبرة، مخططة، لتمزيق الداخل العربي، فلا ينتبه أو لا يعير انتباهاً إلى قوة الفساد المتمكنة من رؤوس السياسة، ومن توطن نزعات عنفية في سلوكات المحازبين، إذ يفوزون بنصيب من السلطة...

هذا بعض ما يجري في بلاد باتت مقطعة في داخلها، ومنصرفة الى نزاعات أهلية وعسكرية، بل مذهبية، متمادية.

ما يَظهر في هذا كله، هو أن قطاعات من جماعات، من مذاهب، من جهات، تتمرد، تعلن "ثوراتها"، مكتفية بأجزاء وحسب مما هي الأرض التي تتنازع عليها.

الأكيد، في هذا المشهد، هو أن الدول "المستقرة" تستند إلى "مشيخات"، أو أُسَر حاكمة، متقادمة، ما يوفر لها بعض الشرعية، بخلاف غيرها التي تداعت الأسس الجمهورية والشعبية والثورية في إعلاناتها وبرامج حكمها السابقة.

هذا يعني بؤس السياسة، هشاشتها، إذ لا تعني إرادات حرة في خياراتها، بل تعني تقاطر مجموعات ومجموعات تبعاً لمكبوتات ومرغوبات لا تُعنى بالشأن العام، بل بما تستطيع اقتناصه من مغانم الوصول إلى الحكم.

هذا ما يسطع سطوعاً مذهلاً في بعض الدول العربية، حيث بات النجاح في الانتخابات، والوصول إلى الوزارة، يعنيان تفريغ خزائن الدولة، ليس إلا.

اما نجاحات ميليشيات عسكرية، أو ما تتوعد به في قادم الحروب، فلا تعني - حتى إذا صحت - سوى نجاح جماعة عسكرية في مجتمع محطم، ودولة مفتتة، ومستقبل مرسوم وفق تلاوين الشقاء المقيم.

مشاهد ومواكب وهتافات وأوجاع ولحظات فرح جماهيري نادرة، فتغطي مباهج الكرة الصغيرة مآسي الكرة الكبيرة.

أما تحشيد "العنتريات" الوطنية عند الانتصارات الرياضية، فلا يخدم سوى السلطات القائمة، ويُسقط أي عناية ديمقراطية بحياة الجمهور نفسه.

هذا ما ترسمُه بوضوح أشد مواكب الهجرة، غير الشرعية خصوصاً، وهي مواكب الموت المجهول في غالبها.

مع هذا كله، ومع غيره الذي يضيق به الصدر، يصحُّ قولُ المتنبي:

وسوى الرومِ، خلفَ ظهركَ رومٌ

فعلى أي جانبَيك تميلُ