باتريسيا جلاد

شقير يحذّر: بوادر لعبة دم بين اللبناني والسوري على الرغيف

نحن على مفترق طرق... قبل الإنهيار الشامل

30 كانون الثاني 2023

02 : 00

العام 2022 كان جيداً برأي شقير

الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية، دور الهيئات الإقتصادية والقطاع الخاص في مواجهة الإنحدار الكبير الذي نتخبط فيه، الحلول المنشودة لتصحيح الرواتب والأجور مواكبةً لتدهور سعر صرف الليرة المستمرّ، والمخاطر التي تنتظرنا جرّاء عدم عودة اللاجئين السوريين الى ديارهم والخشية من تداعيات ذلك على السلم الأهلي، مقابل إيجابيات معينة... مواضيع تطرّقت اليها «نداء الوطن» مع الوزير السابق، رئيس الهيئات الإقتصادية وغرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان. فكان هذا الحوار:



محمد شقير


- كيف تقيّم العام 2022؟ وهل يمكن القول إن القطاعات الإقتصادية بدأت تتأقلم مع دولاب الدولرة؟

الوضع في العام 2022 اقتصادياً ومعيشياً وحياتياً كان أفضل من العام 2021 على البعض. فالبلاد اليوم «تدولرت» وبات جزء كبير من رواتب القطاع الخاص بالدولار، لكن «العترة» تبقى على القطاع العام وموظفيه، إذ تزداد أوضاعهم تعقيداً مع إنعدام الحلول. في العام المنصرم، بدأنا نشهد تحسّناً منذ موسم الصيف. وشهدنا مؤشرات إيجابية بسبب قدوم نحو مليوني سائح أو مغترب الى لبنان. ومن ابرز نتائج ذلك، فتح مؤسسات سياحية جديدة كالمطاعم وتسجيل رخص للبناء، كما وسّعت مؤسسات عدّة عملها، ومن لديه أموال في الخارج استقدم جزءاً منها الى لبنان بهدف استثمارها بالتعاون مع شركاء له. الأمر الذي حرّك قطاعات عدة إضافة الى السياحة، ومنها الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات. وبذلك يمكن القول إن سنة 2022 أعطت جرعة أمل، وأثبتت أن لبنان لا يزال موجوداً ولديه مكانة لدى سائر الدول.

إنطلاقاً من ذلك، يجب تركيز الجهود على تحفيز وتنشيط الإقتصاد لأنه السبيل الوحيد لحلّ كل المشكلات. فالفقر لا يمكن محاربته إلا بتحقيق نمو وخلق فرص عمل وبالتالي تكبير حجم الإقتصاد، حتى ودائع الناس التي لم تعد موجودة، لا يمكن إعادتها إلا اذا تمّ تحقيق نمو وتكبير حجم الإقتصاد وهذا الذي نسعى اليه.

- كيف ترون خطورة إرتفاع سعر صرف الدولار؟

يعتبر التازّم السياسي المستمر في البلاد والذي يتفاقم بين الفينة والأخرى كلما استعرت الخلافات، السبب الأول والمباشر في تسريع الوتيرة التصاعدية لسعر صرف الدولار في السوق السوداء. وهذا الأمر خطير جداً وسيفاقم حدّة الأوضاع ويؤدي الى تداعيات لا تحمد عقباها.

للاسف بدأنا نشهد تحرّكات في الشارع من دون تَحَرُّك أي مسؤول للحيلولة دون تفاقم الأوضاع الإجتماعية والمعيشية لدرء الإنفجار. اليوم بتنا على مفترق طرق ولا بدّ من التوجّه نحو حلول جذرية وشاملة قبل الإنهيار الشامل وفوات الأوان. والاخطر أن مؤسسات الدولة تتداعى اليوم وبتنا في نهاية المطاف، في حين أنه لا يمكن بناء الدولة إلا اذا انتخب رئيس للجمهورية وتمّ تشكيل حكومة.

- ما هي تلك الحلول للخروج من الأزمة؟

اليوم مؤسسات الدولة تتداعى وبتنا في نهاية المطاف، ولا يمكن الخروج من الأزمة إلا باستقامة الوضع السياسي، التي تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، والشروع في الإصلاحات المطلوبة وتنفيذ خطة التعافي الإقتصادية، وإقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة، والتوقيع على اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي ونقطة على السطر. فلو أعدت خطة التعافي وتم تنفيذها منذ عامين ونصف العام، لكان وضع البلد أفضل بكثير.

- ماذا عن الخطة التي أعدّتها الهيئات الإقتصادية وقدّمتها الى صندوق النقد، فهل حظيت برضى الأخير؟

صندوق النقد لن يتابع مناقشاته مع لبنان قبل انتخاب رئيس للجمهورية. وبالنسبة الى نقطة التباين بين «الهيئات» و»الصندوق» هي في ما يتعلق بإدارة اصول الدولة (إدارتها وليس بيعها) من خلال شركات عالمية متخصصة عبر مناقصات عالمية شفافة من أجل سداد الودائع لكبار المودعين، فمثلاً إذا أخذنا شركة الكهرباء، وكانت معدلات الربح العالمية لشركات الكهرباء بنسبة 3 أو 4 في المئة، وإذا تحقق فائض عن هذه النسبة يتم دفعه للمودعين، وليس كل الارباح، وذلك من أجل تمكين الدولة من الإستمرار بالقيام بمسؤولياتها على اختلافها تجاه المجتمع اللبناني. فضلاً عن ان إقتراحنا هذا سيساهم في إصلاح مؤسسات الدولة التي ستتم إدارتها بهذه الطريقة، وكذلك تحديثها عبر نقل الخبرات والتكنولوجيا. ولكن للاسف رغم النقاشات المطولة لم نتفق على تلك النقطة حتى الآن.

- ما الدعم الذي تقدمه «الهيئات» للإقتصاد؟

لو لم يكن هناك قطاع خاص جبّار ويؤمن بالبلد ويبحث عن السبل لاستقدام النقد لم يكن لبنان ليصمد. فالقطاع الخاص اليوم «يحمل» الدولة على اكتافه، وهذه المشهدية قلّ مثيلها في سائر الدول، اذ أن الدول عادة خلال الأزمات «تحمل» القطاع الخاص إلا في لبنان القطاع الخاص يدعم الدولة.

- هل يكفي برأيك راتب 4,500 ملايين ليرة الذي اقرّته لجنة المؤشّر في اجتماعها الأخير؟

صحيح أن الحدّ الأدنى الذي تحدّد قليل جداً ويتآكل يوماً بعد يوم مع كل قفزة للدولار، لكن في هذا الإطار هناك اكثر من إشكالية، الأولى تتمثل بحماية العامل اللبناني من منافسة العامل الأجنبي والسوري تحديداً، خصوصاً أنه مع زيادة الأجور تلجأ بعض المؤسسات التي لم تعد قادرة على تحمّل أعباء إضافية الى استبدال العامل اللبناني بالعامل السوري، وهذا امر خطير ويجب أن نتداركه ونتحوط له من أكثر من مكان، إن كان من خلال دراسة أوضاع المؤسسات وكذلك الزيادة الممكن إقرارها كي لا يكون تأثيرها سلبياً جداً على المؤسسات، كما من خلال التشدد في مراقبة إستخدام الأجانب، فضلاً عن التعاون مع وزراة العمل لوضع لائحة تحدّد فيها الوظائف المحصورة باللبنانيين فقط والتشدد في تطبيقها. فمع كل زيادة اجور هناك خوف حقيقي من خسارة العمال لعملهم.

حقيقة ان الوضع مربك وبالغ الحساسية والتعقيد، حتى الآن زدنا الأجور ثلاث مرات، ومستعدون لتكرار ذلك كل مرة نرى فيها الاجور تتآكل مع ارتفاع الدولار، مع علمنا ان كل ما نقوم به غير كافٍ، لكن الأزمة الإقتصادية تفرض إيقاعها علينا جميعاً.

وفي كل الاحوال، فإن زيادة الاجور لوحدها ليس حلاً ناجعاً خلال الأزمات الإقتصادية لمعالجة تآكل القدرة الشرائية جراء إنهيار العملة الوطنية. فمع تكرار زيادة الحدّ الأدنى، ستصبح المفاعيل سلبية لا سيما لجهة تسريع التضخم وبالتالي تآكل القدرة الشرائية.

لذلك لا بد من القيام بعدة أمور متزامنة: البدء بتنفيذ خطة تعافٍ شامل، زيادة الأجور، توسيع نطاق استفادة البطاقة التمويلية. وعندما ستلتئم لجنة المؤشر مجدّدا، سنطرح مطلباً أساسياً وهو إيجاد السبل لحماية العامل اللبناني، كما أنه لا سبيل سوى بالإستقرار السياسي في البلاد والعمل على تحديد الحدّ الأدنى للأجور الذي يخوّل الموظف توفير معيشته والعيش بكرامة.

- ما رأيك بقرار وزير المال تسديد التجار والمستوردين الرسم الجمركي 50% منه نقداً و 50% شيكاً؟

إن هذا القرار من شأنه زيادة الأسعار بنسبة 10% على المستهلك، كما ان هذا يعني أن الدولة لم تعد تعترف بالشيك وهذا أمر مؤسف. فضلاً عن أن التداول بالـ»كاش» سيؤدي حتماً الى تكبير حجم الإقتصاد غير الشرعي، في حين أن المطلوب محاربة الإقتصاد غير الشرعي الذي بات حجمه يتخطى الـ50 في المئة والذي لا يدفع ضرائب على أنواعها للدولة.

اليوم المطلوب إعادة الثقة بالمصارف من خلال إعادة هيكليتها ومن خلال تنفيذ خطة تعافٍ، عندها تعود حركة العمل المصرفي الى طبيعتها وهذا أمر مطلوب بإلحاح، لأن لا اقتصاد من دون مصارف.

- شاركت الهيئات الإقتصادية في اجتماعات لمعالجة ازمة النازحين السوريين، وشكّلت لجاناً مع القطاع العام والأجهزة الأمنية، فإلى ماذا أفضت؟

عقدت الهيئات الإقتصادية الإجتماعات بمشاركة مدراء عامين من وزارات عدة معنية بملفّ النزوح السوري وممثلين عن الاجهزة الأمنية.

وتمّت مناقشة التحدّيات والتداعيات الخطرة للنزوح في لبنان وشكّلت لجنة مؤلّفة من الهيئات الإقتصادية والقطاع العام والأجهزة الأمنية ووضعت توصيات لمواجهة أزمة النزوح ومخاطرها.

وحذّرت «الهيئات» من استمرار الوضع كما هو عليه اليوم، لأن ذلك سيؤدي الى نزاعات «شديدة» بين اللبناني والسوري حتى على الرغيف، والخوف فعلاً من حصول حرب سورية لبنانية على أرض لبنان. فبوادر تلك الحرب بدأت ولكن لا يتمّ تظهيرها الى العلن. فلا يمكن للبنان أن يستوعب مليونين ونصف مليون سوري، وعلى كل الدول لا سيما الغرب أن يعي ويدرك هذا الأمر.

أكنّ كل الخير والإحترام للشعب السوري الذي ضحّى ولا يزال يقدّم تضحيات، لكن لبنان اليوم بتركيبته ومساحته ووضعه المالي والإجتماعي لم يعد يستطيع أن يحمل عبء النازحين. لذلك نطالب بعودة آمنة وسريعة الى بلادهم، علماً أنهم طالما يشعرون بالإستقرار ويحصلون على التقديمات في لبنان لن يعودوا بسهولة الى ديارهم، فالكهرباء والصحة والتعليم متوفّرة لهم أكثر من اللبنانيين. وباتوا يشكّلون أكثر من عبء إقتصادي، وهناك فعلاً خطورة حقيقية تتهدّد السلم الأهلي في لبنان جراء الوجود السوري.

عقدنا اجتماعات عدة مع مدراء عامين من الوزارت المعنية والأمن العام وخرجنا بتوصيات سننقلها الى المعنيين قبل الوصول الى لعبة الدم بين اللبناني والسوري على رغيف الخبز، سنعلن عنها في حينه وستخدم الطرفين.

وضع الشارع السنّي غير سليم... ومن المبكر الحديث عن رئاستي لحكومة

عن حركة «كلّنا بيروت» والهدف منها، وعن ترشّحه لرئاسة الحكومة... قال محمد شقير ما يلي: في ما يتعلّق بما يُحكى عن ترشيحي لرئاسة الحكومة، من المبكر الحديث عن هذا الموضوع قبل معرفة من هو رئيس الجمهورية المرتقب. بعد انتخاب الرئيس تتظهر ملامح رئيس الحكومة.

أما حركة «كلنا بيروت» فهي تجمّع سياسي مبني على خطّ الإعتدال السني، اعلنا عنه وتحصل اجتماعات اسبوعياً. الهدف منه توطيد وتعزيز الشراكة الوطنية بكل أبعادها الراقية وقيام الدولة وترسيخ مؤسساتها الدستورية والحفاظ على القِيَم اللبنانية وصون الهوية والسيادة والحرية والإستقلال، والنهوض بالبلد واستعادة دوره الريادي وتحسين معيشة اللبنانيين، وترسيخ دولة المواطنة.

كلّنا نعلم أن وضع الشارع السني غير سليم وهو في حالة إحباط، والمطلوب تفعيل دوره وانخراطه بشكل فاعل في الحياة الوطنية خدمة للوطن اذ يشكل إحدى ركائزه الأساسية.