سيلفانا أبي رميا

يجوب الشوارع ويقصّ شعر الأطفال مجاناً

إسماعيل مكّي: نحاول إعادة الطفولة لصغار طرابلس

31 كانون الثاني 2023

02 : 01

مقصّ و"موسى" وثوب حلاقة كانت كفيلة بتخفيف الألم الذي لطالما رافق أطفال طرابلس وشبابها. معدّات ثلاث حملها صحفي شابّ وجال بها شوارع وأحياء طرابلس والمنية لعلّه بقصة شعر مجانية يعيد الضحكة والحياة لعائلات سُرقت أدنى حقوقها في بلدٍ تحكمه الصّفقات والتلزيمات والمناقصات والنهب. إسماعيل مكي ابن عاصمة الشمال ينضمّ إلى لائحة العملات النادرة التي يغفل عنها وطننا والتي تقوم بتحقيق ما عجز عنه حكّامنا. وفي لقاءٍ مع "نداء الوطن" أخبرنا قصّته التي ولدت من معاناة يومية يعيشها ويلمسها.

كيف ولدت مبادرتك؟

أنا ابن المنية طرابلس، ولدت وترعرعت هنا، حفظت الشوارع والوجوه عن ظهر قلب وعايشت المعاناة اليومية لسكّان هذه المنطقة المنسيّة والمتروكة والتي ينتشر الفقر والعوز والحرمان بين جدران بيوتها وينهش أجسام أبنائها. وبعدما بدأت العمل على صفحتي الإخبارية "لبنان نيوز" على "فيسبوك"، ازداد عدد جولاتي في المدينة بحكم عملي الصحفي للتصوير والمقابلات ونقل الوقائع، وهكذا تعمّقت أكثر بين الناس ولمست الطفولة المحرومة هنا. لم أستطع النوم لياليَ طويلة وأنا أحاول إيجاد طريقة أساعد فيها هؤلاء، إلى أن ولدت فكرة مبادرة قصّ شعر الأطفال بالمجان.

هل تقوم بقص شعر الأطفال بنفسك، هل أنت من ممارسي المهنة؟

أنا لا أمتّ إلى مهنة قص الشعر بصلة ولا علم لي بتفاصيلها، لكنني وضعت نصب عيني الهدف ومشيت. تدرّبت في أحد الصالونات المرموقة كما تسجّلت في دورة مدّتها ثلاثة أشهر. بعدها انطلقت ووزّعت الإعلان وطلبت من كل من يعرف طفلاً بحاجة لقصّة شعر الاتصال بي. طبعاً أنا أبادر بتوصيل الأطفال من وإلى البيت بعدما تعهدت على نفسي ألا يقع عبء هذه المبادرة على أحد.

هل هناك من يدعمك أو يساعدك؟

المبادرة شخصية بالكامل من جهودي ومدّخراتي وأموالي الخاصة. الحمدالله لم أواجه أي عراقيل حتى اليوم مع أن تكلفة النقليات بدأت تخنقني نوعاً ما خصوصاً بعد الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات. لكن الدعم المعنوي الذي رافقني منذ البداية من أهلي وأصدقائي والمحيطين بي كان كل ما احتجت إليه لعدم الاستسلام.

في أي مناطق توزّعت المبادرة؟ ولِكم طفلاً قصصت حتى اليوم؟

مبادرتي انطلقت من قلب المنية ثم توسّعت إلى كل أحياء طرابلس بعدما انتشرت أصداؤها بين الناس. تمكّنت حتى اليوم من قصّ شعر ما يفوق الـ50 طفلاً مجاناً.






هل تشمل مبادرتك كبار السن؟

تمكّنت في بعض الأحيان من تقديم قصّات لعدد من الشبّان الصغار، وأتمنّى طبعاً أن تشمل مبادرتي مستقبلاً كبار السن وأعمل على توسيعها عسى أن تساعدني الظروف الاقتصادية. فهؤلاء بدورهم فئة مهمّشة ويفتقرون الى أدنى حقوقهم الإنسانية.

هل من لحظة خاصة انطبعت بداخلك خلال جولاتك؟

في كل مرة أتعرف فيها إلى طفل أعيش قصة جديدة وأتعمّق في خفايا مجتمعنا المزرية. ما تخفيه بيوت طرابلس من فقر وعوز أكبر وأخطر بكثير ممّا نعتقد ونرى ونسمع.

لا أنسى أبداً في بداية جولاتي، حين كنت ذاهباً لاصطحاب أحد أطفال المنية لأقصّ شعره، وصدمت بعائلة متواضعة لا تفارق الابتسامة وجهها وسط جدران ترشح صقيعاً ورطوبة وعفناً. وفي طريقنا إلى الصالون أخبرني الطفل أنه وأهله لا يأكلون كلّ يوم، وجرّة الغاز لديهم فارغة منذ أشهر، ويقصدون الأنهر لتعبئة مياه الشرب إذا وُجدت. لن أنسى دمعته في ذلك اليوم التي تلخّص ما فعله بنا مسؤولو هذا البلد.






ما وضع الطفل في مجتمعنا وخصوصاً الطرابلسي؟

للأسف وضع الطفل الطرابلسي يفوق المزري بأشواط. لا تعليم ولا طبابة ولا أدنى الحقوق في الطعام والنظافة واللباس. وتصل هذه المعاناة إلى حدّ اضطرارهم إلى العمل في الشارع في مهن قاسية ومتعبة لإعالة ومساندة أهلهم. لا ظلم أكبر من هذا. أطفال طرابلس اليوم مرادف للحزن والفوضى في وقتٍ يجب أن يعيشوا أجمل سنوات حياتهم.

كيف تكون ردود فعل الأطفال بعد قصّ شعرهم؟

أطفالنا تملأهم البركة والبراءة. مبادرة صغيرة مثل هذه تجعل الأطفال بمعظمهم يبكون من الفرح. في طريق العودة يشعرونني وكأن الطريق طويل جداً للوصول إلى بيتهم ومفاجأة عائلاتهم بشكلهم الجديد. الضحكة التي تعلو وجوههم في نهاية القصة هي قوتي ومصدر سعادتي.







ما حلم اسماعيل مكي؟

لا حلم لاسماعيل مكي في هذا البلد. حلمي مات في هذه الأرض التي طمرت طموحنا وباتت تنبت فساداً وطمعاً وظلماً. وأنا كأغلب الشباب اللبناني بات همي الوحيد الخبز اليومي والاستمرارية والنجاة.

أنت تمثل ما فشل حكّامنا بتمثيله، ماذا تقول لهم؟

"إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، ما قمتم وتقومون به بحق هذا الشعب هو جريمة كبرى لن يسامحكم عليها لا الخالق ولا عباده ولا التاريخ. أنتم تقودون مجازر بأيديكم فاتّقوا الله.

لوزير الداخلية إبن طرابلس الذي يؤكد في كل تصريح تلفزيوني له أن الأمن مستتبّ، أقول: مدينتك تواجه عمليات سلب وقتل وسرقات يومياً، فأين هو الأمن الذي تفتخر به؟

كذلك أقول لرئيس الحكومة ابن هذه المدينة أيضاً، توقف عن تصريحاتك الفارغة "ممنوع حدا يجوع" والحديث عن "كهرباء الفيحاء"، تعال ورافق أطفال طرابلس في رحلتهم اليومية إلى سلل وأكوام القمامة بحثاً عمّا يسدّ جوعهم، تعال وافترش الشوارع معهم بحثاً عن ليلة نوم هنيئة.






أطفال طرابلس يا حكّامنا وصل أنينهم إلى ما خلف البحار وأنتم لم تسمعوا بعد وكالأصنام تقفون مصبّرين فارغين من الإنسانية والرجولة.


MISS 3