سناء الجاك

الصعب والأصعب على جبران

1 شباط 2023

02 : 00

صعب على جبران باسيل أن يصبح أحد الأطراف في المشهد السياسي، اسم من جملة أسماء، وليس الطرف الأقوى الذي يختصر المسيحيين بشخصه الكريم، وليس القادر على التعطيل حتى يأتي من يطيِّب خاطره ويقدم له المن والسلوى ليحصل على غبرة رضاه. صعب عليه أن يقتصر دوره على تأييد أحد مرشحي رئاسة الجمهورية، حتى لو كان نصيبه من التأييد حبّة مسك على الطريقة اللبنانية.

صعب عليه الاعتراف بأنّ عداد خساراته أصبح أسرع من عداد خسارة الليرة اللبنانية قيمتها بمواجهة سعر صرف الدولار. فالظاهر أنّ هذا العداد انطلق نزولاً لدى رفضه التحوّل من مرشح طبيعي لكرسي بعبدا، كما يتوهم، إلى الناخب الأساسي والأكبر، بحيث يحصل على امتيازات بانتظار وصول الدور إليه، بموجب وعود «حزب الله».

لم يُرْضِ هذا العرض طموحه، فهو تنشّق هواء القصر حيث بات يصعب عليه التنفس خارجه. وحليفه لا يريد أن يفهم ذلك، ويتفهّم حاجته إلى أوكسيجين السلطة والنفوذ المطلق حتى يبقى ويستمر. وهنا بدأ الغلط. ليس لأنّ الرجل صاحب مبدأ لا يتنازل عنه، ولكن لأنّ مبدأه هو الوصول إلى هذا النفوذ مهما كان الثمن، وعلى حساب الجميع، مهما تطلب الأمر من انقلابات على الاتفاقات والتحالفات والتفاهمات.

بالتالي، لم يبق له صاحب، فهو لم يُسلِّف أحداً من خارج «حزب الله»، الذي راعاه بالطول والعرض وصنع له زعامته وزعامة عمه سلطوياً مقابل خدماته، وليس فقط شعبياً بفعل المنفى والوصاية السورية، وليس فقط بفعل المزايا والصفات التي خلقها الله وكسر القالب.

لعله لم ينتبه إلى تبعات كسر الجرة مع «الحزب»، على رغم التستر على هذا الأمر، حتى تاريخه، فوصل إلى ما وصل إليه، بحيث بات يعيش أحلامه لوحده، ويطلق مواقف تعبّر عن شعوره بالعزلة والاضطهاد، وإلى طلب النجدة، ما اضطره إلى التفتيش عن مخارج، لن توصله بالضرورة إلى الكرسي، لكنها قد تسمح له بإعادة التموضع في الحضن الماروني.

أو لعله انتبه، لذا حجّ إلى بكركي، يطلب من سيدها عقد قمة روحية مسيحية، تجمع القيادات المسيحية. لكن التجاوب معه لم يتم. ولن يتم على ما يبدو. وحالياً مطلبه الوحيد هو الحوار واللقاء مع هذه القيادات، وتحديداً مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ليعيد تعويم نفسه. لكن من لديه الاستعداد ليجرب المجرّب؟

وقبل ذلك، لم تفلح عروضه التي حاول تقديمها إلى الجانب الأميركي بشأن فك تحالفه مع «حزب الله» مقابل رفع العقوبات عنه، وإعادته إلى الحياة السياسية بقبول دولي. وهنا كان وقع المفاجأة عسيراً على باسيل، فهو اكتشف أنّ الإدارة الأميركية لم تعد بحاجة إلى خدماته، وتحديداً مع إبرام اتفاق ترسيم الحدود بتوافق مباشر مع «الحزب» الذي قبل وساطة «الشيطان الأكبر»، والذي قاطع مصالحه مع مصالح هذا «الشيطان» وأربابه في نسف التحقيق بجريمة تفجير المرفأ.

وما يقلق باسيل ويخيفه ويدفعه إلى التهديد بإعلان ترشحه تسرب معلومات عن ميول انشقاقية داخل كتلته النيابية تؤدي إلى التصويت لصالح مرشح يحظى بقبول داخلي ودولي، من قماشة قائد الجيش جوزاف عون، لذا أطلق قنبلته الدخانية، وهو يحسب أنه يقطع الطريق على التمرّد في «التكتل»، من جهة، وعلى سؤال عن عدم ترشيح أحد أعضاء «لبنان القوي» يلقى قبولاً ويحفظ «للتيار» موقعه في التركيبة.

لكن الأصعب على جبران، يبقى عدم تحمّله كل القهر الذي سيعيشه عمه الجنرال، وكسر خاطره إذا لم يكحّل عينيه برؤية الصهر العزيز متربعاً على كرسي بعبدا.

والله حرام!