غاري كاسباروف وميخائيل خودوركوفسكي

لا تخافوا من سقوط بوتين

2 شباط 2023

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية التي تم تسليمها لأوكرانيا في مطار بوريسبيل الدولي | أوكرانيا، 13 شباط 2022

يعيش نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيامه الأخيرة. بدأ مسار التاريخ يتغيّر وتشير جميع الأحداث، بدءاً من التقدّم الأوكراني في ساحة المعركة وصولاً إلى وحدة الغرب المستمرّة وقوة إرادته في وجه عدائية بوتين، إلى مرحلة حاسمة في العام 2023. إذا حافظ الغرب على تماسكه، سينهار نظام بوتين على الأرجح في المستقبل القريب.

يتابع عدد من أهم شركاء أوكرانيا رفض تزويد كييف بالأسلحة التي تحتاج إليها لتوجيه الضربة القاضية. تخشى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على ما يبدو أن تنتشر الفوضى بعد هزيمة الكرملين بطريقة حاسمة، لذا رفضت إرسال الدّبابات، وأنظمة الصواريخ الطويلة المدى، والطائرات المسيّرة التي تسمح للقوات الأوكرانية بمحاربة المعتدين واسترجاع أراضيها وإنهاء الحرب. لا شكّ في أن نهاية عهد بوتين الاستبدادي ستغيّر روسيا (وبقية دول العالم) بشكلٍ جذري، لكن سيكون هذا التغيير مختلفاً عن توقّعات البيت الأبيض. بدل زعزعة استقرار روسيا وجيرانها، قد يسمح انتصار أوكرانيا بالتخلص من قوة انتقامية مؤثرة ودعم قضية الديمقراطية حول العالم.



يبذل الروس الداعمون للديمقراطية ورافضو نظام بوتين التوتاليتاري قصارى جهدهم لمساعدة أوكرانيا على تحرير جميع المساحات المحتلة واسترجاع سيادة أراضيها بما يتماشى مع الحدود المتعارف عليها دولياً من العام 1991. هم يخططون أيضاً لحقبة ما بعد بوتين. تهدف "لجنة العمل الروسية" (تحالف من جماعات معارِضة في المنفى نشأ في أيار 2022) إلى منح أوكرانيا التعويضات التي تستحقّها عن الأضرار التي سبّبها عدوان بوتين، ومحاسبة جميع مرتكبي جرائم الحرب، وتحويل روسيا من دكتاتورية فاسدة إلى جمهورية فدرالية برلمانية. بعبارة أخرى، يجب ألا يخشى العالم نهاية نظام بوتين الوشيكة، بل يُفترض أن يرحّب بها بأذرع مفتوحة.




مخاوف لا أساس لها

تبدو جهود بوتين لاسترجاع الإمبراطورية الروسية المفقودة محكومة بالفشل. أصبح الوقت مناسباً إذاً لإطلاق عملية انتقالية نحو إرساء الديمقراطية ونقل السلطة إلى المناطق. لكن لإحداث هذا النوع من التحولات السياسية، يجب أن يُهزَم بوتين عسكرياً في أوكرانيا. ستؤدي أي خسارة حاسمة في ساحة المعركة إلى انهيار هيبة بوتين وتحويله إلى مهندس دولة فاشلة، فيصبح نظامه أضعف من أن يتحدّى الآخرين من داخل روسيا.

يستطيع الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، أن يقدّم الدعم العسكري والمالي لتسريع هذه الأحداث الحتميّة ودفع أوكرانيا إلى تحقيق انتصار سريع. لكن لم تتفق إدارة بايدن بعد على نهاية واضحة للحرب، وقد اقترح بعض المسؤولين الأميركيين على كييف أن تتنازل عن جزء من أراضيها سعياً لإرساء السلام. هذا النوع من الاقتراحات ليس مُطَمْئِناً. أوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن شعبه لن يوافق يوماً على هذه الصفقة. لا مفرّ من أن تؤدي أي تنازلات عن الأراضي لصالح بوتين إلى اندلاع حرب أخرى.

وراء تردّد واشنطن في تقديم الأسلحة اللازمة، يكمن خوف عميق من عواقب أي هزيمة روسية حاسمة في أوكرانيا. يظنّ عدد كبير من المسؤولين في إدارة بايدن أن سقوط بوتين سيكون مرادفاً لانهيار روسيا، ما يعني أن تغرق هذه الدولة المسلّحة نووياً في الفوضى وأن تزيد قوة الصين في الوقت نفسه.

لكن تبقى هذه المخاوف مبالغاً فيها. قد يكون احتمال انهيار روسيا حقيقياً، لكن يبدو هذا الحدث أقرب إلى الواقع في عهد بوتين، فهو يدفع البلد في اتجاه مركزي وعسكري غير مسبوق. كلما طالت مدة صمود النظام الراهن، سيزيد احتمال انهياره بطرق غير متوقعة. جاء عدوان بوتين ليكشف هشاشة نموذج حُكمه الذي يرتكز على مواجهة الأعداء الخارجيين. حوّلت مافيا الكرملين روسيا إلى منصة لتنفيذ خططها العسكرية، وسبق وهدّدت باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا. لهذا السبب، يُفترض ألا تخشى واشنطن انهيار نظام بوتين بل يجب أن تخاف من تداعيات صموده.

طوال عقدَين تقريباً، زعم بعض المحللين الغربيين أن الشعب الروسي لن يتقبل الديمقراطية يوماً وأن روسيا محكومة بالحُكم الانتقامي. عملياً، نجحت الحملة الدعائية التي أطلقها بوتين في إقناع شريحة واسعة من المجتمع الروسي بالفكرة القائلة إن القيم الغربية تختلف بالكامل عن القيم الروسية. لكن سمح التكامل الاقتصادي مع الغرب لدول أخرى بتجاوز إرثها الفاشي، وقد تقوم روسيا بالمثل من خلال تعميق تكاملها مع أوروبا تزامناً مع تخفيف العقوبات الغربية مقابل شروط معينة.

بعد هزيمة بوتين العسكرية، ستضطر روسيا إلى الاختيار بين التحوّل إلى دولة تابعة للصين أو بدء تكاملها مع أوروبا (بعد تقديم التعويضات لأوكرانيا عن الأضرار التي سبّبتها ومعاقبة مرتكبي جرائم الحرب). سيميل معظم الروس إلى تفضيل السلام والحرية والازدهار، لا سيّما إذا بدأت حملة إعادة إعمار أوكرانيا في أسرع وقت.



الأمل يغلب الخوف

قد تسمح هزيمة بوتين العسكرية بتسريع التحوّل السياسي في روسيا، فيتمكّن المعسكر الذي يبحث عن مستقبل أفضل من تفكيك النظام القديم وفرض واقع سياسي جديد. سبق ووضعت "لجنة العمل الروسية" خطة لإحداث هذا التحوّل، وهي تهدف إلى إعادة تشكيل الدولة الروسية بناءً على "مبادئ حُكم القانون، والفدرالية، والنظام البرلماني، وفصل السلطات، وإبداء حقوق الإنسان والحريات على مصالح الدولة المبهمة". تهدف هذه الرؤية إلى تحويل روسيا إلى جمهورية برلمانية ودولة اتحادية لا تملك إلا صلاحيات مركزية محدودة (لتطبيق السياسة الخارجية والدفاعية وحماية حقوق المواطنين) وتشمل حكومات محلية أكثر قوة.

لكن لا يمكن تحقيق هذه الرؤية قبل مرور بعض الوقت. بعد سنتين على حلّ نظام بوتين، سينتخب الروس جمعية تأسيسية لإقرار دستور مختلف وتحديد مواصفات نظام جديد من الهيئات الإقليمية. لكن على المدى القصير وقبل انعقاد تلك الجمعية، تبرز الحاجة إلى نشوء مجلس دولة انتقالي يتمتّع بصلاحيات تشريعية للإشراف على حكومة تكنوقراط مؤقتة. يُفترض أن تتألف بشكلٍ أساسي من روس يلتزمون بحُكم القانون وكانوا قد رفضوا حرب بوتين ونظامه غير الشرعي علناً. اضطر معظمهم للعيش في المنفى، حيث تسنّى لهم أن ينظموا مجتمعاً مدنياً غيابياً. تسمح هذه التحضيرات بإطلاق تحرّكات سريعة وتنسيق الجهود مع القوى الغربية التي يُفترض أن تتعاون مع الحكومة الروسية الجديدة لتجديد استقرار الاقتصاد.



بعد استلام السلطة مباشرةً، يجب أن يعقد مجلس الدولة اتفاق سلام مع أوكرانيا، ويعترف بحدود البلد المتعارف عليها منذ العام1991، ويعوّض عن الأضرار التي سبّبتها حرب بوتين. كذلك، يُفترض أن يرفض ذلك المجلس رسمياً السياسات الإمبريالية التي يطبّقها نظام بوتين، داخلياً وخارجياً، من خلال وقف جميع أشكال الدعم الرسمي وغير الرسمي للكيانات الموالية لروسيا في البلدان السوفياتية السابقة. ويجب أن ينهي أيضاً المواجهة القديمة بين روسيا والغرب، وينتقل إلى سياسة خارجية مبنية على السلام، والشراكة، والاندماج في المؤسسات الأوروبية الأطلسية.




محلياً، يجب أن يبدأ مجلس الدولة بنزع أسلحة روسيا، فيقلّص حجم القوات المسلّحة وكلفة صيانتها، ويُفترض أن يحلّ الهيئات التابعة للدولة البوليسية التي قادها بوتين، بما في ذلك جهاز الأمن الفدرالي ومركز مكافحة التطرف، ويلغي جميع القوانين القمعية التي أقرّها البلد في عهد بوتين. كذلك، يجب أن يطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين ويعيد تأهيلهم بالكامل، ويطرح برنامج عفو لتخفيض مجموع السجناء في روسيا.



على المستوى الفدرالي، يجب أن يطلق مجلس الدولة حملة تطهير واسعة، فيجري تحقيقات مفتوحة ودقيقة عن المسؤولين السابقين لإقالة مرتكبي الانتهاكات لصالح النظام السابق. ويُفترض أن يحلّ جميع الأحزاب السياسية والمنظمات العامة التي دعمت غزو أوكرانيا كي تعجز عن التأثير على بناء روسيا الجديدة. في الوقت نفسه، يجب أن يضفي المجلس طابعاً ليبرالياً على القوانين الانتخابية، ويبسّط عملية تسجيل الأحزاب السياسية، ويلغي القيود التي فرضها بوتين على التجمعات والإضرابات والتظاهرات.

على مجلس الدولة أن يطلق حقبة اللامركزية أيضاً، فينقل الصلاحيات الكبرى إلى المناطق، بما في ذلك الشؤون المرتبطة بالميزانية. تؤدي هذه الإصلاحات إلى إضعاف المركز الإمبريالي القوي في روسيا: إذا خسرت الحكومة الفدرالية كامل سيطرتها على الأموال العامة، فلن تحصل على الوسائل اللازمة لإطلاق مغامرات عسكرية.

أخيراً، يجب أن يضمن المجلس مساءلة مجرمي الحرب وكبار المسؤولين في نظام بوتين، ما يعني محاكمة المسؤولين عن أسوأ جرائم الحرب في محكمة دولية وتولي روسيا محاكمة بقية المرتكبين. لتحقيق هذه الغاية، يجب أن يميّز المجلس بكل وضوح بين مجرمي الحرب والمسؤولين السابقين في النظام، فيقدّم أشكالاً متنوعة من التسويات للفئة الثانية لدعم العملية الانتقالية السلمية.



إنها مرحلة مفصلية لأوكرانيا. يستطيع بايدن أن يقلب الوضع لصالح كييف عبر إلحاق مواقفه الداعمة بخطوات ملموسة مثل تسليم الدبابات والأسلحة الطويلة المدى. ويمكنه أن يسرّع انهيار نظام بوتين أيضاً ويفتح المجال أمام نشوء مستقبل ديمقراطي في روسيا، فيثبت للعالم أن العدوان العسكري خيار أحمق. باختصار، يجب ألا تسمح الولايات المتحدة لمخاوفها بتبديد آمال أوكرانيا.

MISS 3