عماد موسى

في ضيافة الجنرال

3 شباط 2023

02 : 00

لبسوا بزّات العيد الغامقة، تعطّروا، تمشّطوا، تداولوا سريعاً في هدف الزيارة. وانطلق الخمسة الأوائل من الضاحية الجنوبية باتّجاه الرابية، كوفد عريض رأسه الحاج الجليل محمد رعد. ما إن ترجّلوا من سيّاراتهم في باحة القصر، حتى ارتسمت على وجوههم الدهشة ولم يتمكّنوا من إخفائها وهم يصافحون "بيّ الكل": بيت جميل ظريف "شِرِح" تتهنى فيه جنرال وتشوف فيه الخير. قال أحدهم.

جال الجنرال بنظراته المتعبة على زوّاره الخمسة: محمد كان في سالف الأيام يتردّد عليه في بعبدا. علي إبن منطقته. حسين كان وزيراً ذات يوم تذكر وجهه. نسي اسمه. حسن يبدو وجهه مألوفاً. أمين لم يقل له الاسم شيئاً. ظنّه مختار الغبيري.

هرم الجنرال كثيراً. فقد في 94 يوماً بريقه الرئاسي. شاب شعره. وهن صوته. تبعثرت أفكاره. يتقدّم الجنرال بخطى سريعة صوب التسعين. يا الله كم يبدو وسيماً في هذا العمر. عينا الحاج رعد قالتا ما يعجز عنه لسان يقطر عسل سنديان. لم يكن ينقص الزيارة سوى قالب كاتو يحمله وفد الحزب إلى الرابية احتفاء بثلاثة أعياد: عيد تفاهم مار مخايل وعيد مولد مخايل المصادف في 18 شباط وعيد الحب.

من يذكر تلك الفقرة من ورقة التفاهم؟ "كل شكل من أشكال الاغتيال السياسي هو أمر مدان ومرفوض لتناقضه مع الحقوق الأساسية للإنسان، ومع أهم ركائز وجود لبنان المتمثلة بالاختلاف والتنوع، ومع جوهر الديموقراطية وممارستها. وقد أدان التفاهم وقتها عملية اغتيال دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما سبقها وما تلاها من عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال وصولاً الى اغتيال النائب جبران التويني".

ألا تحتاج هذه الفقرة إلى إضافة "بيار الجميل. وليد عيدو، أنطوان غانم، وسام الحسن، محمد شطح الذين اغتيلوا وهاشم السلمان وصولاً إلى اغتيال لقمان سليم؟".

وقبل 17 عاماً وعد التفاهم بـ"إجراء مسح شامل لمكامن الفساد، تمهيداً لفتح تحقيقات قضائية تكفل ملاحقة المسؤولين واسترجاع المال العام المنهوب". والوعد دين.

ومنذ 17 سنة طالب التفاهم الدولة السورية بالتعاون الكامل مع الدولة اللبنانية من أجل كشف مصير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية في أجواء بعيدة عن الاستفزاز والتوتر والسلبية، والآن مطلوب كشف الأسباب التي تحول دون عودة السوريين إلى بلادهم.

وكيف ترجم الحزبان الشقيقان، بعد 17 سنة، بند "تفعيل عمل الأحزاب وتطويرها وصولاً الى قيام المجتمع المدني" وبند استقلالية القضاء؟

الأرجح أن الوفد الحزبي لم يكن معنيّاً سوى بتهدئة خاطر الجنرال وبيعه "شوية" حكي ورَدَ مثله في ورقة التفاهم الإنشائية. وبدا الجنرال غير معني سوى بسماع اسم صهره كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية وإلّا عمرها ما تكون رئاسة وعمرها ما تكون جمهورية.

هذا المتخيّل في زيارة رعد ورفاقه، فماذا عن الواقع؟


MISS 3