رفيق خوري

رئيس لكل الأدوار إلا رئاسة الدولة

4 شباط 2023

المصدر: رئاسة الجمهورية

02 : 00

الطائفيات واحدة. ليس هناك طائفية وطنية وأخرى غير وطنية، ولا طائفية تقدمية وأخرى رجعية. ولا أحد يصدق أن الأحزاب والتيارات الطائفية والمذهبية والتي بعضها ديني تريد بالفعل قيام دولة مدنية بالمعنى الحقيقي في إطار علماني. فما يريده بعض الطائفيين ليس تجاوز الطائفية حسب إتفاق الطائف بل مجرد إلغاء الطائفية السياسية، أي التنظيم الطائفي للحصص والمواقع في السلطة. والهدف الفعلي هو أن يتحكم العدد بالتعددية.

وما دمنا في نظام طائفي، فإن رغبة الطائفية السياسية الشيعية في القفز من فوق الإرادة الطائفية السياسية المارونية بشكل خاص والمسيحية بشكل عام في إختيار الرئيس الماروني للجمهورية هي لعبة خطرة وإن بدت ممكنة. وليس على من يتصور أنه يستطيع تكرار ما فعلته الوصاية السورية بالتهميش السياسي للقوى المسيحية سوى إعادة القراءة في ما قاد إليه ذلك، أقله في ثلاثة أمور. الأول أن التهمش السياسي للقوى المسيحية والقمع والتضييق عليها وسجن الدكتور سمير جعجع ونفي العماد ميشال عون الى فرنسا، إنتهت الى عزلة القوى الوسطية والشخصيات المسيحية المرتبطة بدمشق، وتنامي الراديكالية وقوة "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر". والثاني تصدّر دور بكركي المواجهة التي تعاظمت شعبياً بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري وبروز دور السنّة والدروز في "ثورة الأرز"، بما أدّى الى تدخل دولي قوي في مجلس الأمن عبر أميركا وفرنسا وخروج القوات السورية من لبنان. والثالث هو ما وصلنا إليه اليوم من إنهيارات سياسية ومالية وإقتصادية وإجتماعية وقضائية نتيجة "الإنقلاب على الطائف"، ثم أخطاء القيادات وسوء السياسات بعد خروج الوصاية السورية وإندفاع "حزب الله" في وراثة الوصاية التي صارت إيرانية.

والمؤكد هو العجز من جهة والإمتناع من جهة أخرى عن بناء مشروع الدولة. فلو كنا في دولة لما أمكن تعليق الدستور وفرض الشغور الرئاسي بالقوة. ولا السطو على ودائع الناس من دون تحميل اللصوص المسؤولية أو خروجهم من السلطة أو من دون إيجاد حل عملي لبدء التعافي المالي والإقتصادي والحد من نزول المواطنين تحت خط الفقر، ومنع تهريب الثروات المسروقة لدى النافذين الى الخارج. ولا تعطيل التحقيق في أضخم تفجير غير نووي ضرب المرفأ ودمر نصف بيروت وأوقع مئات القتلى وآلاف الجرحى، لحماية عدد من المسؤولين المتهمين الذين "يحاكمون" المحقق العدلي. ولا كان يمكن أن يستمر في وجود الدولة وبعد تحرير الجنوب ما كان لا بد منه في غياب الدولة وحضور الإحتلال الإسرائيلي، وهو سلاح المقاومة خارج الشرعية للدفاع عن لبنان، وتوصيف الدور الذي يقوم به "حزب الله" عسكرياً في سوريا وأمنياً في العراق واليمن ضمن المشروع الإقليمي الإيراني بأنه نوع من "حماية لبنان من داعش".

والوقت حان للتوقف عن أوهام التوفيق بين مشروع المقاومة الإسلامية ضمن "محور المقاومة" الإقليمي وبين مشروع الدولة. فما تصر عليه المقاومة المتحكمة برئاسة المجلس النيابي ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية قبل إنتهاء الولاية، هو رئيس يقوم بأي دور إلا دور رئيس الدولة.

تقول الحكمة التقليدية: "الخوف مستشار سيئ، لكن اللامبالاة مستشار أسوأ". والمشكلة في لبنان هي جمع الخوف واللامبالاة.


MISS 3