كشك متجول للتصدي لأزمة الصحافة الورقية في إيطاليا

09 : 56

في صباح كل يوم، يصل أندريا كاربيني مع عربته ذي العجلات الثلاث وهديرها المميز ليركنها في إحدى ساحات ميلانو فاتحاً بابيها... فبسبب أزمة الصحافة بات كشك بيع الصحف جوالاً.

ويتنقل أندريا من شارع إلى آخر مقترحاً على الزبائن شراء الصحف متسلحاً بالبسمة والكلمة الطيبة كالباعة المتجولين في الماضي.

ورغم وجوب سلوكه الطريق نحو شارع آخر قرابة الحادية عشرة والنصف، لم يشغل أندريا محرك عربته إلا قرابة الظهر في ظل التوافد الكبير للزبائن ما اضطره لفتح هذه المركبة البيضاء والصفراء مرات عدة.وتوضح ماريا ريتشياردي (77 عاماً) لوكالة فرانس برس "آتي إلى هنا يومياً. الكشك أقفل في تموز لكن لحسن الحظ هذه العربة تأتينا منذ شهر (...) لا أحب الإنترنت، رغم أنه قد يكون ضرورياً إلا أن الثقافة الحقيقية تكمن في الكتب والصحف".

أما ماريا مالزاني (72 عاماً) فتشير إلى أنها كانت مضطرة "للمشي مسافة طويلة" لابتياع الصحف منذ إغلاق الكشك في الصيف الفائت. وترى هذه المرأة المولعة مع زوجها الخطّاط بقراءة الصحف أن هذه المبادرة "مذهلة".

وقد أتت أندريا كاربيني ابن الثانية والخمسين هذه الفكرة للتصدي لزوال أكشاك بيع الصحف.

ويقول دييغو أفيرنا من اتحاد النقابات العمالية الإيطالية "قبل عشر سنوات، كان هناك 650 كشكاً في ميلانو، أما اليوم فلم يعد عددها يتجاوز الـ450"، لافتاً إلى أن كثيراً من هذه الأكشاك "بالكاد تستطيع الصمود" بفضل بيع تذاكر النقل العام أو المأكولات الخفيفة. وتسجّل هذه الظاهرة على صعيد إيطاليا برمتها، إذ خسرت البلاد بين سنتي 2009 و2019 ما يقرب من ربع متاجر بيع الصحف التي تراجع عددها من 18 ألفاً إلى 14 ألف متجر وفق اتحاد غرف التجارة الإيطالية. ويصاحب هذا المنحى التراجع الكبير في مبيعات الصحف إذ لم يعد يباع في إيطاليا سوى حوالى 2,2 مليون صحيفة يومياً في مقابل 5,5 ملايين سنة 2007 وفق هيئة متخصصة.

ويشير المدير العام لمجموعة "كايرو إيديتوره" جوزيبي فيراوتو إلى أن هذا التراجع ليس ناجماً عن الطفرة في الوسائط الرقمية وتقلص اهتمام الفئات الشابة بالصحافة فحسب، بل أيضاً إلى "النقص في نقاط البيع"... ما يعني وجود حلقة مفرغة.

ويقول لوكالة فرانس برس "من هذا المنطلق فإن مبادرة الكشك الجوال أمر علينا نحن كناشرين دعمها".وحتى الساعة، لا يعمل أندريا كاربيني الوافد من عالم المكتبات سوى على "خط" واحد مع أربع محطات في أحياء مختلفة قرب نقاط كانت تضم أكشاكاً أغلقت أبوابها. إلا أنه يحلم بتوسيع نشاطه. ويؤكد كاربيني أن "ما أقوم به خطوة تحفيزية وآمل أن يحذو شباب حذوي. رميت حجراً في نطاق لم يكن أحد يتحرك فيه".

ويوضح "الناس يميلون للقول إن المعركة خاسرة. لكني أعتبر أن سوق الصحف الورقية لها مستقبل أمامها رغم أنها آخذة في الانحسار"، لافتاً إلى أهمية "الحفاظ على حرية الصحافة والإنتاج الثقافي".ويلفت كاربيني إلى أنه من خلال العمل اليومي واختيار الأحياء التي يسلكها بصورة جيدة، من الممكن كسب 1800 يورو إلى 2000 شهرياً. ونقطة القوة مقارنة مع الأكشاك العادية هي في تفادي دفع تكاليف ثابتة باهظة وتركيز العمل على ساعات محددة. وأكثرية زبائنه هم فوق سن الخمسين لكن ثمة أيضاً أشخاص في الثلاثينات أو الأربعينات من العمر وكذلك أطفال يأتون بحثاً عن ملصقات وصور من إنتاج شركة "بانيني" الإيطالية الراعية للمشروع.وتستقطب هذه العربة التي تتيح التنقل بسهولة، أنظار المارة. ويقول أندريا كاربيني إن هذه المركبة "لها قيمة رمزية شديدة الأهمية في إيطاليا إذ تمثل الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في خمسينات وستينات القرن العشرين".

وتقول ماريانا ساراسينو وهي مدرّسة متقاعدة في السادسة والستين من العمر إن "بائع الصحف هو صديق الحي. لا يمكن أن تزول الأكشاك هكذا على غرار المتاجر الصغيرة. هذا إفقار عام للثقافة والتلاقي الاجتماعي والعيش المشترك".

MISS 3