شربل بو مارون

...بين الطوباوية والشيطنة

8 شباط 2020

02 : 00

كميل شمعون وريمون إده

يطل علينا عيد القديس مارون هذه السنة مختلفاً عن الاعياد السابقة، فشعب مارون كما بقية سكان لبنان باتوا على شفير المجاعة. يطل علينا العيد، والمدرسة السياسية التي تكنت باسم مارون تُشَيطن من جديد.

المارونية السياسية التي غُيبت قسرًا بعد اتفاق الطائف، عادت لتتصدر المشهد العام مع انطلاق ثورة 17 تشرين، التي حاول اليسار السيطرة عليها وتحوير مسارها من خلال إغراقها بشعارات بائدة لعل أبرزها شيطنة المارونية السياسية والرأسمالية الجشعة، و"الجيزويتية" المتسلطة، وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه السياسات الإجتماعية الإقتصادية الأمنية... وقد تناسى الحاقدون على المارونية السياسية أنه منذ العام 1990 وحتى اليوم، لم تكن المارونية السياسية تحكم البلاد بل تركيبة سياسية انتهجت الريعية والزبائنية وخنقت المبادرة الفردية، هدمت الزراعة والصناعة واعتمدت إقتصادًا إفتراضيًا هشًا.

ولكن قبل الدفاع عن المارونية السياسية أو الهجوم عليها، لا بدَّ من العودة إلى ماهية المارونية وارتباطها العضوي بجبل لبنان التاريخي.

تعود بنا الذاكرة إلى محاضرة ألقاها الاباتي بولس نعمان،

...المارونية – هذه الروحيّة الباقية من نهج الموارنة القدامى – هيَ ليست مفهومًا مدنيًا صرفًا ولا مفهومًا دينيًا صرفًا. إستطاعت أن تكون، في الوقت نفسه، ديانة ودولة، من غير أن تدوّل الدين وتديّن الدولة...

ومع إنقباض الموارنة وانحسارهم إلى جبّة بشري والزاوية وجرود المنيطرة المتبقية نتيجة حملة المماليك، إستنبطوا صيغاً تُلائم وضعهم المستجد بالحفاظ على مركزية السلطة البطريركية والإنضواء في الوقت عينه تحت قيادة زعماء محليين عرفوا بـ "المقدّمين". وسمح لهم هذا التموضع بتطوير قدراتهم الزراعية والتنظيمية وتصدير المعرفة.

من هنا نستنتح أنَّ المارونية ارتبطت ارتباطًا عضويًا بلبنان، وكان هدف الموارنة الرئيس إنشاء كيان حر مستقل في هذه الجبال الصعبة.

مع بداية الحرب العالمية الأولى ونتيجة السياسة التي انتهجها العثمانيون لابادة سكان جبل لبنان، اتت المجاعة الكبرى، فساهم البطريرك الياس الحويك بتخفيف وطأة المجاعة، وإنقاذ ما تبقى من سكان. وأسس لبنان الكبير وضم إلى جبل لبنان سهلي البقاع وعكار.

انطلاقًا من هذين التاريخ والتراث، جاء عهد الجمهورية الأولى، التي حكمها نخبة من رجال السياسة العمالقة معظمهم من "الجازويتيين"، الذين اتقنوا فن السياسة.

في عهد المارونية السياسية كانت هناك قيادات سنية كسامي الصلح وصائب سلام وعبدالله اليافي، وبداية نهضة شيعية، فكان محمود عمار "الجازويتي" وكان حسين الحسيني وحسن الرفاعي...

المارونية السياسية انجبت اميل اده ومن بعده ريمون اده والكتلة الوطنية. انتجت كميل نمر شمعون.افرزت النهج الشهابي. وعندما اهتزت ثقة الناس بـ"النهج"، نشأ "الحلف" الثلاثي الذي أوصل سليمان فرنجية الى الرئاسة من خارج النادي الشهابي. وقد أثبتت الأرقام والإحصائيات أنَّ سنة 1974 شكلت السنة الذهبية اقتصادياً للبنان. المارونية السياسية أعطت الكتائب اللبنانبة حارسة النظام والجمهورية. صحيح أنَّ أركان المارونية السياسية اختلفوا في ما بينهم، ولكنهم تخاصموا بشرف وتحالفوا بصدق.

وهنا لا بد من التحدث قليلًا عن إنجازات المارونية السياسية وأسباب نجاحها.

تألقت المارونية السياسية ووصلت إلى العصر الذهبي في الستينات وأوائل السبعينات من القرن المنصرم، حيث شهد لبنان قضاء نزيهاً ومستقلاً، جيشاً متطوراً، فنّاً راقياً، صحافة رائدة، قطاعاً مصرفياً متماسكاً، حركة نقابية ناشطة، عملة محلية توازي العملات الصعبة، فائضاً مالياً مقداره 13 مليار ليرة لبنانية، بيئة نظيفة، وأصبح قطاعا التعليم والطبابة الأفضل في المنطقة، إضافة إلى الضمان الصحي والإجتماعي، مجلس الخدمة المدنية، ووزارة التخطيط والتصميم والتران والترامواي.

أما اسباب نجاح المارونية السياسية فقد كانت واضحة المعالم في خطابها وخطواتها، نظامها السياسي ديمقراطي برلماني، إقتصادها يميني رأسمالي حر، قائم على المبادرة الفردية. وازدهرت في عهدها الطبقة المتوسطة وخفت نسبة الفقر. إلى أنْ اتت الحرب الأهلية حيث حاول اليسار بمؤازرة الكوفية الفلسطينية، تقويض اليمين الليبيرالي المتمثل بالمارونية السياسية، وكان ما كان...

بالعودة إلى الواقع اليوم، الناس ثارت على الفساد والجوع والهدر والوضع المهترئ. ونحن قد وصلنا إلى ذلك بسبب الزبائنية التي اعتُمدت بعد اتفاق الطائف.

إذاً نستنتج أن لا ذنب للمارونية السياسية في الإنهيار الذي وصلنا إليه، وأنَّ الحل لا يكمن بالأفكار اليسارية والشعبوية التي اثبتت فشلها الذريع، بدليل أن روسيا الإتحادية هي بلد رأسمالي اليوم.

يكفي اذاً شيطنة المارونية السياسية فالحل اليوم، للنهوض من الأزمة، يكمن بالعودة إلى المارونية السياسية مع بعض التعديلات البسيطة، الإعتراف بالتعددية الحضارية، العودة الى الاقتصاد الليبيرالي اليميني، تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان بما يضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، وصولًا إلى عقد اجتماعي جديد وحقيقي يضمن حقوق المجموعات الحضارية الموجودة على أرض لبنان.

(*) باحث وأستاذ جامعي


MISS 3