طوني فرنسيس

رئيسٌ للترسيم وحُماته

7 شباط 2023

02 : 00

حتى الهزّة لن تهزّ أحداً خارج روايات وسائل التواصل الاجتماعي، ومواطنو البلد باتوا يأملون بديناصور أو نيزك ينتظرونه وقد طال الانتظار.

في المشهد يحتفل «حزب الله» العائد من افتتاح مدرسة قاسم سليماني في طهران بإنجازات ثورة الخميني تحت قيادة المرشد، ويعدد أمين عام «الحزب» السيد حسن نصرالله هذه الانجازات في تقرير للوكالة الإيرانية «مهر» بلغة الخبير الاقتصادي الدولي المتخرج حديثاً من صندوق النقد.

لم يرد اسم لبنان في تقرير الانجازات الايرانية، لكنه على ما يبدو الإنجاز الأعظم وربما الوحيد، فهو البلد الأجنبي الوحيد الذي يمسك الولي الفقيه بتلابيب مستقبله، وبالاتفاق معه ستُرسم صورته اللاحقة. على موجة الحسابات الإيرانية تمّت في الآونة الأخيرة سلسلة خطوات بشأن لبنان يمكن اعتبارها خطوات تأسيسية.

الخطوة الأولى كانت ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ما سمح بتراجع الخطابات الحربية لمصلحة خطاب الاستثمارات. وتأسيساً على الترسيم تحركت شركات النفط العالمية لبدء المسح والتنقيب في المياه اللبنانية بثقة فائقة في المستقبل. وانضمت قطر إلى تحالف النفط الفرنسي- الايطالي لتحل محل شركة روسية ليست في حجم المشاركة القطرية نوعاً وكمّاً.

وقطر نفسها التي تشارك في اجتماع باريس بشأن لبنان للمرة الأولى إضافة إلى مصر، كان لها، عشية الاجتماع وفد يتوجّه إلى طهران وآخر إلى القاهرة، وفي لبنان نفسه شبكة علاقات تتخطى السياسة إلى ابداء العزم على شراء أصولٍ، ما يسهم في تحريك الوضع الاقتصادي.

أما مصر، فانضمامها إلى لقاء باريس يحمل، إضافة إلى ثقل البلد عربياً وخليجياً بمعنى التوازن الأمني الاستراتيجي، بُعداً أمنياً يتصل باسرائيل والفلسطينيين بعلاقاتهم المتشعبة، وربما بإنعكاس كل ذلك على لبنان. ففي فلسطين ينشط مدير المخابرات عباس كامل إلى جانب الأميركيين، وإلى القاهرة يستدعي قادة فصائل غزة بحثاً عن تهدئة في فلسطين يرى الأميركيون أنها ضرورية للمنطقة... ربما تكون الخلفية الأمنية - الاقتصادية، بدءاً من الترسيم هي العامل الجديد في اجتماع الدول المهمة بلبنان.

قبل أن يصبح الاجتماع خماسياً كان ثلاثياً (السعودية واميركا وفرنسا) وكانت له مواقف كررها بشأن الحل في لبنان، أما بعد الترسيم وتكريس دور «حزب الله» وإيران فيه، ثم انطلاق كونسورتيوم النفط في عمله، وامتداد الاهتمام الفرنسي والقطري إلى قطاعات بعينها، فإنّ الأمر يبدو كوضع أعمدة لمبنى لم ينشأ بعد، في مساحة جغرافية يتحكم بها طرف مسلح، يلغي بوجوده مؤسسات شرعية ويحاصر قضاء لم يعد له قدرة على القيام بدوره الذي يعتبر حاسماً بالنسبة للشركات وعقودها.

بماذا سينصح لقاء باريس في هذه الحالة غير تقديم وصفة صبر حتى استكمال أعمدة بناء يتم تنزيل طربوشه عليه؟ ومن سيكون هذا الطربوش السياسي، رئاسة وحكومة وإدارة، غير حصيلة الترسيم وحماته ومصالح شركات النفط وكبار المستثمرين الذين يدرسون آفاق سوق لبناني ينتظر فلا تأتيه سوى الهزّات؟

ستكون أعجوبة لو تمكن المجتمعون الخمسة من خرق الجدار، لكنهم بالتأكيد سيتوصلون إلى خريطة طريق لكل منهم اسهامه فيها، لكن قدرتهم على التغيير في واقع الأزمة تبدو مستحيلة، إن لم تصل تمنياتهم الطيبة إلى مرحلة فرك أذن المستحقين وهم كُثُر.


MISS 3