رفيق خوري

لا رئيس غلبة ولا رئيس توازن

8 شباط 2023

02 : 00

لا جدوى، قبل الإجتماع الخماسي في باريس وبعده، من حث القوى العربية والدولية التركيبة السياسية على المسارعة الى إنتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة إصلاحات. ولا تأثير في "محور التعطيل" لتكرار المرجعيات الدينية الدعوات الى ممارسة النواب لواجبهم. فالمافيا التي سطت على ودائع الناس ومارست سياسة الإفقار لزيادة ثرائها لا يعنيها بؤس العائلات في "جهنم" التي دفعتنا إليها. وموعد الإنتخاب الرئاسي الذي كنا نسمّيه "الإستحقاق" صار موعداً مؤكداً لبدء شغور رئاسي لا أحد يعرف متى ينتهي. وإذا كانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ترى أن اللبنانيين "ضحايا نظام فاشل"، وتتخوف من "تفكك عناصر المجتمع" وتعرّض البلد لمضاعفات "الإضطرابات الإقليمية والدولية"، فإن ما يجعل المشكلة أكبر وأعمق هو إتكال القوى الخارجية على رموز النظام الفاشل ومعاودة اللبنانيين إنتخاب الفاسدين الكبار والمرتكبين من هؤلاء الرموز.

ذلك أن ما ينقص الأميركيين والفرنسيين والسعوديين والمصريين والقطريين الذين اجتمعوا في باريس ليس الرغبة والإرادة بالنسبة الى مساعدة لبنان على إنقاذ نفسه بل القدرة على التأثير في موقف طهران التي تمسك باللعبة من خلال "حزب الله". وحين يقول السيد حسن نصرالله: "لا تنتظروا الخارج فالحل داخلي"، فهو يعرف أكثر من سواه أن إرتباط "الحزب" بولاية الفقيه والمشروع الإقليمي الإيراني يجعل دور الملالي وبقية الأدوار الخارجية حتمية. والكل يعرف أن الشراكة الوطنية التي هي أساس البناء اللبناني صارت عرجاء بسبب الخلل الذي فرضته القوة على التوازن السياسي الوطني. عرجاء في غياب الرئيس الذي من دونه لا إنتظام في عمل المؤسسات. وعرجاء حتى بوجود رئيس في القصر الجمهوري يبدو مثل رهينة لدى "حزب الله".

والسؤال هو: الى أي حد يمكن، بعد الإنهيارات الواسعة والعميقة، المجيء برئيس يمثل الغلبة الإقليمية أو رئيس يعكس التوازن الإقليمي والدولي؟ وأي فرصة لكي يصل الى قصر بعبدا رئيس غلبة محلية أو رئيس توازن محلي؟ والجواب بسيط هو أنه ليس في المنطقة حالياً شيء اسمه غلبة إقليمية معترف بها، ولا توازن قوى إقليمية ودولية. وليس في لبنان غلبة محلية مكرسة وثابتة ولا توازن سياسي بالطبع. والفرق كبير بين النفوذ والغلبة.

نفوذ إيران واضح في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لكنه لم يصبح غلبة إقليمية، وهو معرّض لمتغيّرات وتحولات. ونفوذ أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر وسوريا في لبنان ليس غلبة. والخلل في التوازن السياسي الوطني في لبنان ليس ثابتاً، كما دلت التجارب الماضية. وما يسمى "فائض القوة" لدى "حزب الله" لا يشكل غلبة بالمعنى الكامل، لأن إستعمال القوة في الداخل مسألة بالغة الخطورة لجهة الإصطدام بالطوائف وبالصراع الجيوسياسي الإقليمي. فضلاً عن أن ضعف الآخرين هو من أهم العوامل في فائض القوة. وفضلاً أيضاً عن أن أي نفوذ لا يمكن توظيفه سياسياً من دون صفقة مع قوى أخرى.

يفغيني بريماكوف الذي كان مراسل "البرافدا" في المنطقة أيام السوفيات ثم صار رئيساً للإستخبارات فوزيراً للخارجية فرئيساً للحكومة في روسيا يقول في مذكراته: "المشكلة الأعظم بالنسبة الى العرب هي العجز عن التمييز بين الوهم والواقع". وحالنا في لبنان كذلك. وهي لا تزال مشكلة العرب والفرس.


MISS 3