محمد علي مقلد

إنتخابات رئاسية تحت البند السابع

يسمح البند السابع للمجلس أن يقرر «ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به، أو أن ما وقع عمل من أعمال العدوان، وأن يلجأ إلى القيام بعمل غير عسكري أو عسكري لحماية السلم العالمي».

هذا بند من ميثاق الأمم المتحدة. استعاره المجلس النيابي اللبناني ليستعين به على من تسول له نفسه تخريب الآليات الاستبدادية التي أرساها عهد الوصاية، والتي بموجبها يتم اختيار الرئيس في دمشق وقد يعلن عنه من القاهرة، ثم يطلب من البرلمان المصادقة على صحة رأي الخليفة في تعيين الوالي.

منع الاعتراض على هذه الآلية في ظل الوصاية قضى باغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري. بعد خروج الجيش السوري تولت ميليشيات الممانعة المهمة فأكرهت مجلس السبعة الكبار اللبناني في مؤتمر الدوحة على إعدام الديمقراطية في بلد الديمقراطية الوحيد في محيطه، وعلى التوصية بانتخاب رئيس للبلاد تم التوافق عليه بعد مداولات، وقيل بعد إغراءات سخية، ولم يكن أمام المجلس النيابي، ويزعم أنه سيد نفسه، إلا المصادقة على تعطيل دوره وتحويله من سلطة تشريعية إلى أداة تنفذ ما يتفقون عليه خارج كواليسه.

بعد الوصاية تثبتت آليات ورست تقاليد جديدة بات تكرارها واجباً عند نهاية كل عهد. يُعطى المجلس النيابي إجازة طويلة وتقفل أبوابه، ويُستعاض عنه بطاولة حوار مستديرة. الأولى التجريبية عام 2006 مهدت لتسليم الدفة لجماعة «القمصان السود» التي لعبت دور «المطوّع» وأدخلت بدعاً على دستور الطائف، من بينها المحاصصة وحق الفيتو، ولقّنت المعترضين درساً ظل محفوراً في ذاكرتهم حتى بداية التجربة الثانية عام 2015.

في الثانية بات من البديهيات أن لا حاجة لأن يقرر المجلس النيابي، إذ هناك من يفكر عنه ويقرر. ولا حاجة لمقر أغلق حتى عشش العنكبوت على أبوابه. ثم طاولة حوار عقيم كالعادة بين السبعة أو العشرة الكبار. في الأولى تعطيل حتى الاتفاق على رئيس. في الثانية تعطيل حتى إذعان المعارضة وحصر الترشيح من داخل صفوف الممانعة.

انتهى العهد الجديد بنكبة وطنية وفاجعة وفساد اقتصادي وسياسي وأخلاقي وسرقة موصوفة للمال العام وأزمة لم يشهد لها لبنان مثيلاً وانفجار شبه نووي دمر الميناء وجزءاً من العاصمة. لم يعرف السر الذي جعلهم يستمرئون المآسي ويستلذون طعم الانهيار المدوي، فيصرون على تكرار المطالبة بطاولة حوار يعرفون جيداً ما أنتجته أخواتها، ولا سيما بعد أن صار استخدام الفيتو حقاً مشروعاً لزعماء الطوائف والميليشيات باسم الشرعية والميثاقية.

الإصرار على مرشح واحد ووحيد هو إلغاء للديمقراطية وللدستور. استلهموا ذلك من الأحزاب الشمولية. في روسيا انتخب الرئيس لدورة خامسة. عمر الرئاسة في الجمهوريات الوراثية ثلاثون وأربعون عاماً، الحكم في سوريا شعاره «الأسد إلى الأبد» حتى على حساب تهجير نصف الشعب السوري. في روسيا كما في إيران هناك من يقرر عدد المرشحين وأسماءهم.

مجلس الأمن كالمجلس النيابي - بلا قياس وتشبيه - مع فروقات «طفيفة». الرئيس هو من يترأس الجلسة بعد المداولات. والجلسة بروتوكولية وقراراتها معروفة سلفاً. في لبنان طاولة حوار بدل المداولات وبدل الرئيس الدوري رئيس دائم على غرار ما في الجمهوريات الوراثية ولا سيما منها «إلى الأبد». في لبنان كما في مجلس الأمن حق استخدام الفيتو لا ضد قرار أو رأي مختلف فحسب بل حتى ضد الوحدة الوطنية وضد قرارات دولية.

أخطر الاستعارات التمهيد لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية تحت البند السابع، فيجيزون «القيام بعمل غير عسكري أو عسكري» لا لحماية السلم الأهلي، بل لحماية المقاومة.