سناء الجاك

نِعْمَ الزلزال

8 شباط 2023

02 : 00

ترتاح أطراف السلطة في لبنان لانشغال الناس بالزلزال «كهرمان مرعش» وارتداداته، التي قد تستمر عشرة أيام، كما يتم الترويج... والله أعلم. عدا ذلك، لا لزوم للبحث في أصل ومسببات كل ما ينتاب تفاصيل حياة اللبنانيين اليومية. فالمطلوب أن يغرقوا أكثر فأكثر في هذه التفاصيل وترقّب الفوالق، التي عندما تتحرك تدفعنا إلى الذعر والبحث في العراء عن سبل الحماية.

كيف لا؟ ومثل هذا الانشغال يصرف النظر عن كل ما هو ممنوع من التداول. علينا أن نصمت وننسى. علينا أن نراقب حركة جوف الأرض فقط. أما ما يجري على السطح، فهو لم يحصل. ونِعْمَ الزلزال، الذي لن يدفع ثمن كوارثه إلّا المساكين، أمّا الحكام فهم سوف يستفيدون منه، كل حسب حاجته وظروفه. وكأنّه لم يكن ينقص أقاليم البؤس المكدّس إلا الزلازل في عز الصقيع. اللهم لا اعتراض على حكم الطبيعة، لكن ماذا عن الحكّام الذين تسببوا لهذه الأقاليم بالبؤس المكدّس؟

مروحة هؤلاء واسعة، وشعاراتهم فضفاضة، وبالتأكيد كاذبة. ولكنهم معذورون، لأنّ الحاجة تبرر الوسيلة. والحاجة لا تقتصر على الداخل اللبناني، بل تكمن أيضاً في أولويات الخارج متجاهلة مآسي أقاليم البؤس على ما يبدو، وهي ما جعل اجتماع باريس الخماسي لطيفاً كنسمة في عز العواصف الطبيعية والسياسية والقضائية التي تتربص بلبنان، فاقتصرت خلاصته على التوصيات الرعوية، الإيجابية، وتركيز على «الإصلاحات» والمساعدات الإنسانية، من دون توجيه أصابع اتهام إلى أي طرف داخلي أو خارجي.

وتحديداً البعد الخارجي! فقد تمّ تجاهل دور إيران في الأزمة اللبنانية، ربما لأنّ تردي العلاقات الدولية مع إيران قد يكون غيمة صيف، على الرغم من التعقيدات المستجدة على ملف هذه العلاقات، بسبب الطائرات المسيّرة الإيرانية التي دخلت على خط الحرب الروسية/ الأوكرانية، وغيّرت في معادلتها، ما جعل بحث الملف النووي ثانياً بعد السلاح الذي بات يحتل المقام الأول في أي مفاوضات إن حصلت.

بالتالي، فإنّ إضافة «الحرس الثوري الإيراني» إلى لائحة الإرهاب الخاصة بالكتلة الأوروبية، لا يتعلق بإدانة الاتحاد الأوروبي بشدة «الاستخدام الوحشي وغير المتناسب للقوة من قبل السلطات الإيرانية ضد المتظاهرين السلميين...»، ذلك أنّ هذا الاستخدام قائم حتى قبل انفتاح أوروبا على طهران غداة الاتفاق النووي، ولكن لأنّ السلاح الإيراني دخل عمق دول الاتحاد الأوروبي وبات يهددها بقلب موازين القوى وبحرمانها من الطاقة وفق ما كان سائداً.

ومع هذا لا بد من التأني، لأنّ خط الرجعة مع إيران يبقى احتمالاً وارداً، على الرغم من هذا الواقع القائم على أقصى درجات التجاذب بين المجتمع الدولي والجمهورية الإسلامية. بالتالي، كان اللطف سمة الاجتماع الباريسي بشأن لبنان. ولا لزوم للسوداوية، مع العلم أنّ طهران لن تتساهل، اليوم أكثر من أي وقت مضى بالورقة اللبنانية، لتُحَسِّن ظروف مواجهتها هذا المجتمع الدولي.

ويبدو أنّ اللطف سينسحب على أكثر من صعيد، وأكثر من ملف، ولا يخرج عن السياق سحب فتيل «التفجير القضائي» المفاجئ بعد عاصفة «قصر العدل» ومخلفاتها «حفاظاً على سلامة التحقيق وحسن سيره». ولعله الحرص على اللبنانيين، سواء من الداخل أو من الخارج، إذ يكفيهم ما نابهم وما سينتابهم في ظل المصالح الكبرى والصغرى. علينا أن نرتاح ونستكين ونتكل على «الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث والأزمات».

ويكفينا أكثر أن وزير داخليتنا بسام المولوي مرتاح البال لجهة الزلزال وارتداداته، فهو طمأن اللبنانيين، واتكل على إيمانهم بالله، بعدما لمسه، ورأى «التكبيرات في المساجد ودعواتهم والصلوات لمار شربل والله يبعث الأمن والأمان للبلد»!

روحوا ناموا!


MISS 3