"عوده": 15.4 ملياراً عجز ميزان المدفوعات منذ تشرين 2019

إنخفاض (ذوبان) الودائع 42.7 مليار دولار خلال الأزمة

02 : 00

%36 تحت خط الفقر المدقع في لبنان مقابل 9% عالمياً

إنخفض الناتج المحلي من 53 مليار دولار الى 22 ملياراً

زاد النقد المتداول 8 أضعاف من 10 تريليون ليرة الى 80 تريليوناً

نزيف الدولارات بسبب دعم السلع ودعم الليرة والتعميم 161



صدر التقرير الاقتصادي الفصلي الجديد لـ»بنك عوده» والذي ورد فيه أنّه كان من البديهي أن تترك التطورات المتراكمة خلال السنوات الثلاث الماضية، في ظل الاختلالات الهيكلية والمالية الضخمة في البلاد وسوء الإدارة للدولة لعقودٍ من الزمن، بصماتها على الأوضاع الاقتصادية والمصرفية والمالية وأن تدخل البلاد في أزمة مالية حادة وصفها البنك الدولي بأنّها ثالث أسوأ أزمة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. ونتيجة لكل هذه التطورات، ظهرت الأنماط التالية منذ اندلاع الأزمة: «سجّل الاقتصاد الحقيقي انكماشاً لافتاً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ تراجع الناتج المحلي الإجمالي بقيمته الاسمية من 53 مليار دولار في العام 2019 إلى 22 مليار دولار حالياً، أي بتقلص نسبته 58.5%، ما أدى إلى أحد أبرز التقلصات في دخل الفرد عالمياً خلال عقود. إن تطور مؤشرات القطاع الحقيقي في لبنان، كمؤشرات النتائج والمؤشرات المتزامنة والاستشرافية، جميعها يعكس الركود الاقتصادي خلال هذه الفترة. كذلك فإنّ تطور المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان، وهو متوسط مثقل لعدد من مؤشرات القطاع الحقيقي، سجّل تقلصاً نسبته 59.4% في المتوسط منذ العام 2019، ما يعكس الانكماش اللافت في النشاط الاقتصادي الحقيقي.

ميزان المدفوعات

وسجّل ميزان المدفوعات عجزاً بقيمة 15.4 مليار دولار في السنوات الثلاث الأخيرة بين تشرين الأول 2019 وكانون الأول 2022. وقد نتج عجز ميزان المدفوعات بخاصة عن انخفاض الموجودات الخارجية الصافية لمصرف لبنان إبّان هذه الفترة. ويعود انخفاض الموجودات الخارجية الصافية لمصرف لبنان الى سياسة الدعم التي اتّبعها البنك المركزي طوال الفترة المذكورة (دعم الأدوية والمحروقات والسلّة الغذائية في السنتين الأوليَيْن) والى تدخّله في سوق القطع خلال السنة الثالثة، لا سيّما في إطار التعميم رقم 161 الصادر منذ بداية السنة الماضية.

بطالة الشباب 47.8%

إن الانكماش في الاقتصاد الحقيقي ترك آثاراً سلبية على سوق العمالة. فمع تباطؤ الاقتصاد، ومن بعدها الدخول في ركود اقتصادي وبعدها كساد، سجلت سوق العمالة ارتفاعاً في مستويات البطالة. إذ تظهر آخر الأرقام الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي أن البطالة بلغت مستوى قياسياً نسبته 30% في العام 2022 (بالمقارنة مع 11.4% قبل الأزمة)، علماً أنّ البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً وصلت إلى 47.8%، أي ضعف تقريباً البطالة بين البالغين أي 25 عاماً وما فوق (25.6% قبل الأزمة). وفي حال استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية في السوق المحلية، تظهر مخاطر لارتفاع جديد لنسب البطالة، ما سيترجم مباشرة على آفاق أضعف للإنفاق الأسري.





طباعة الليرة تضعفها

على صعيد الوضع النقدي، خسرت الليرة اللبنانية نحو 97% من قيمتها منذ تشرين الأول 2019. فعمليات خلق النقد بشكل كبير، وتنقيد العجز من قبل مصرف لبنان، والشحّ في الدولار النقدي بسبب تراجع الأموال الوافدة، كلها عوامل ساهمت في تدهور سعر صرف الليرة واستنفاد الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان. فقد زاد حجم النقد المتداول بنحو ثمانية أضعاف خلال السنوات الثلاث الماضية، من 10 تريليون ليرة إلى 75 -80 تريليون ليرة. هذا وفي حال غياب أي إصلاحات هيكلية تؤسس للتوازن بين مخزون الليرات ومخزون الدولارات، من المرجّح أن يواصل سعر الصرف سلوكه التقلبي.

التضخم التراكمي 1500%

الجدير ذكره أن تدهور سعر الصرف كانت له تداعيات تضخمية لافتة، ما زاد من نسبة الأسر التي ترزح تحت خط الفقر إلى حوالى 74% اليوم مقابل متوسط عالمي بنحو 28% (36% يعيشون تحت خط الفقر المدقع في لبنان مقابل متوسط عالمي نسبته 9%). وقد وصل التضخم التراكمي إلى 1500% منذ تشرين الأول 2019. ففي حين شهد العالم ارتفاعاً لافتاً في التضخم خلال العام الماضي نتيجة تحرير فائض الوفورات المتراكمة خلال جائحة كورونا والذي عزّز الانفاق الخاص تلازماً مع تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، سجّل لبنان أداءً أكثر حدّة بكثير من المستوى العالمي بحيث فاق معدّل التضخم في لبنان الـ100% في العام 2022. على نحو مقارن، بلغ التضخم العالمي 8.8% في العام 2022، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي.

إنخفاض الودائع والقروض

يبيّن تحليل القطاع المصرفي منذ بداية الأزمة المالية في لبنان، أي بين تشرين الأول 2019 وكانون الأول 2022، أن الودائع بالعملات الأجنبية انخفضت بقيمة 28.0 مليار دولار أميركي وأن القروض تراجعت هي الأخرى بقيمة 28.0 مليار دولار، بينما انخفضت سيولة المصارف بالنقد الأجنبي بقيمة 4.2 مليارات دولار في ظلّ عجز تراكمي لميزان المدفوعات بقيمة 15.4 مليار دولار.

وبالتفصيل، انخفض إجمالي ودائع الزبائن بما يعادل 42.7 مليار دولار، نتيجة عمليات سحب وسداد قروض بحجم ملحوظ. وعليه، تراجعت الودائع الأجمالية من 168.4 مليار دولار في نهاية تشرين الأول 2019 الى 125.7 مليار دولار في نهاية كانون الأول 2022، أي بما نسبتُه 25.4%. وتقلّصت الودائع بالعملات الأجنبية بقيمة 28.0 مليار دولار في السنوات الثلاث المذكورة لتبلغ 95.6 مليار دولار بينما انخفضت الودائع بالليرة بمقدار 22.0 تريليون ل.ل. لتبلغ 45.4 تريليون ل.ل. في نهاية كانون الأول 2022. ومن جرّاء ذلك، ارتفعت نسبة دولرة الودائع من 73.4% في تشرين الأول 2019 الى 76.1% في كانون الأول 2022. توازياً، انخفض مجموع التسليفات بقيمة 34.1 مليار دولار أميركي في إطار الجهود المبذولة لتقليص مديونيّة المصارف: فالمصارف اللبنانية قلّصت مديونيّتها الى حدّ كبير منذ بداية الأزمة بحيث انخفضت محفظة تسليفاتها من 54.2 مليار دولار الى 20.1 مليار دولار، أي بما يعادل 62.9%. ويشكّل سداد القروض 80% من تقلّص الودائع في السنوات الثلاث المنصرمة. وقد تراجعت التسليفات بالنقد الأجنبي بقيمة 28.0 مليار دولار بينما تراجعت التسليفات بالليرة اللبنانية بما يعادل 9.3 تريليونات ل.ل في السنوات الثلاث الأخيرة. ومن جرّاء ذلك، تراجعت نسبة دولرة التسليفات من 70.4% في تشرين الأول 2019 الى 50.7% في كانون الأول 2022.



3 سيناريوات: نهوض وستاتيكو ووسطي


في نظرة مستقبلية، أكد تقرير بنك عوده أنّ لبنان على مفترق طرق، إمّا النهوض أو التدهور. ففي حال تحقّق السيناريو السياسي–الاقتصادي الإيجابي، تبدأ الضغوط الاقتصادية والاجتماعية بالانحسار ويبدأ البلد بالنهوض من كبوته القاتمة ليسجّل نمواً حقيقياً في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5%، تضخماً أقل من 30% في ظل استقرار نسبي في سعر الصرف. ويتمحور هذا السيناريو الإيجابي حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت وتشكيل حكومة فعالة وذات مصداقية، يتبعها اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي على أساس الاتفاق المعقود على مستوى الموظفين في شهر نيسان الماضي، وذلك بعد تأمين الشروط المسبقة لموافقة مجلس إدارة الصندوق. ويتعزز مثل هذا السيناريو في المدى المتوسط والبعيد مع بداية التنقيب عن الغاز (بعد ان انجز اتفاق الترسيم) والذي يحسّن الوضعية الخارجية في لبنان، وعجز المالية العامة والآفاق الاقتصادية بشكل عام.

أما السيناريو المعاكس، فهو بقاء الوضع الراهن على حاله (الستاتيكو)، أي التأجيل المتواصل للانتخابات الرئاسية، وتعسّر تشكيل حكومة، وغياب الإصلاحات، وعدم الالتزام بمتطلّبات صندوق النقد الدولي وبالتالي غياب البرنامج النهائي مع الصندوق. ومن شأن هذا السيناريو أن يؤدّي الى مزيد من الركود الاقتصادي وسط نسب نمو سلبية وانهيار شديد لسعر صرف العملة الوطنية، خصوصاً مع استنزاف مخزون العملات الصعبة في البلاد وفي ظلّ خلق زائد للنقد بالليرة اللبنانية وتضخّم مفرط في أسعار السلع الاستهلاكية وضغوطٍ اجتماعية-اقتصادية جمة على الأُسَر اللبنانية بشكل عام.

وبين هذين السيناريوين يظهر السيناريو الوسطي، والذي يفترض انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، ولكن من دون تطبيق الإصلاحات، ومن دون التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي ونتائج غير حاسمة للتنقيب عن الغاز. في ظل هذا السيناريو، سيشهد العام 2023 نمواً في الاقتصاد الحقيقي مماثلاً للنمو المسجل في العام السابق، أي في محيط الـ2%، وتضخماً بنسبة 80% وتراجعاً نسبياً في احتياطيات مصرف لبنان من النقد الأجنبي وعجزاً معتدلاً في ميزان المدفوعات.

MISS 3