ماريان زوين

"يوميات مسرحجي" مهدّدة... هل يبقى الحلم؟

12 شباط 2020

11 : 41

يوميات مسرحجي

"المسرح عايش، يعني الحلم عايش!" مع هذه الجملة اعلن الفنان جورج خباز بدء عرض مسرحيّته الجديدة منذ حوالى الشّهرين، وهذا ما يردّده فور انتهاء كل عرض من عروض"يوميات مسرحجي" على خشبة مسرح الشاتو تريانو.

انّها "يوميات" يسردها ويؤدي تفاصيلها الممثل بدور الراوي (اكتشاف خباز الجديد): الشاب عامر فياض، الذي ومن خلال حركته السريعة، وادائه الواضح لنصّ طويل وصعب، ربح الرهان، واعطى للدّور الذي حصل عليه مكانته وقيمته. ورغم الشبه الذي نراه بين فياض وخباز لا سيما في طريقة الحركة على المسرح، والكلام، استطاع هذا الشاب ان يفرض شخصيّته المسرحيّة الفريدة، مع الاشارة الى بعض "الزحطات"، التي تشعرنا انّه جورج خباز الثاني! وربما هي ليست بـ"زحطات"، فمن يعلم؟ ممكن ان يكون خباز بإخراجه المسرحيّة هذه، استقصد ان يمهّد لنا وريثه في التّمثيل... الى جانب الفنان الشامل، والموهبة الشابة الجديدة، يتكامل العرض مع فريق عمل متجانس مؤلّف من لورا خباز، سينثيا كرم، مي سحاب، كريستل فغالي، إيف شلالا، غسان عطية، جوزيف آصاف، وسيم التوم، جوزيف سلامة، جوزيف ساسين، روميو الهاشم، توفيق حجل، روجيه بركات، فادي أبوجودة، والمخضرميْن: بطرس فرح، وعمر ميقاتي.

عندما يشاهد الجمهور هذه الأسماء، بالشخصيات العديدة التي يلعبونها في مسرحيّة واحدة، لا يمكنه الّا ان يثني على انسجام اعضاء هذه العائلة وحرفيّتهم العالية.

خباز من خلال نصّ نقدي ذكي، يبحر في تاريخ المسرح، غير راحمٍ لا الممثّل وفريقه المسرحي، ولا "الممثّل" وفريقه السياسي، وحتّى الجمهور في كلا الحالتين، ينال نصيبه من النّقد.




مرّر الكاتب والمخرج، نقدًا لنفسه ايضًا، فقال عن مسرحه: "يا زلمي شو بكرّر حالو!"، انما بالفعل، وبعد مشاهدة ومراقبة اعماله، خصوصًا في السنوات الأخيرة، نلاحظ ان الشيء الوحيد الذي يتكرّر هو اصراره على التطوّر، والغوص الى العمق اكثر فأكثر، ان كان من خلال الكتابة، الإخراج، السينوغرافيا، الموسيقى، او من خلال التمثيل، وهذه السّنة مع اعطاء فرص لوجوه جديدة حتّى في دور البطولة.

وبالتالي يكون خباز الثائر على عِقد المجتمع، الذي لطالما وصّفه لنا من خلال اعماله، يثور عامًا بعد عام، على نفسه ايضا، ليقدّم في كلّ مرّة مادّة ادسم من التي قبلها، لا تكتفي بإضحاك جمهورها، لا بل تدفعه الى التفكير فيها بعد مغادرة المسرح، وهذا كلّه دون ان يفقد اي شريحة من جمهوره الذي يأتي اليه من كل لبنان وفعلا من كل لبنان، رغم كل الظروف الإقتصادية الصعبة.

ساعتان من الوقت، كفيلتان لتجول خلالهما مع فريق العمل، بين "هاملت" شيكسبير الفلسفة والثقافة في لندن و"هاملت" مواطن فقير، يخشى جوع اولاده في النبعة، بين لبنان فخر الدين، ولبنان "الدين" بلا فخر، بين مسرح استغباء الأطفال وواقع اطفال الـ Game of Thrones، بين مسرح روّاد الخشبة، الفكر والكلمة، ومسرح كل مين "فايسبوكو" الو، بين مسرح الخطابات السياسية الخشبيّة وايضًا مسرح التكريمات البروتوكوليّة البلاستيكيّة. ساعتان تتعرّف من خلالهما ولو بشكل بسيط على انواع المسرح، فتنتقل من مسرح الأوبرا، الى المسرح الغنائي، فمسرح الرقص، الكوميديا السوداء، المسرح السياسي، الـ Vaudeville، الـ Chansonnier وغيرها من الأنواع، من دون نسيان ذكر نوع "مسرح الملاجئ" في الحروب، حيث تحوّل كل مواطن الى كاتب، مخرج، وممثّل في آن واحد. "دقّ 400 او طاولة" من ميل، وتنظيرات عن الواقع السياسي من ميل آخر.

ويصل المشهد الأخير: الحوار مع الذات، مع التاريخ، مع الحاضر، مع المستقبل: "انت لي بتعمل مسرح؟"، وتأتي استمراريّة الاجابة على هذا السؤال، مهدّدة.

انّها مهدّدة بهدم المسرح لضرورة توسيع الأوتوستراد، مهدّدة بهدم تراث ثقافي واسع، بحجّة توسيع من نوع آخر، مهدّدة بطريق بديل سيحلّ مكانها، وغير مؤكّدة الإفادة منه، فهل سيكون طريق إصلاح حقيقي ام طريق مهوار اضافي؟ في هذا المشهد، لم نرَ تنفيذ التهديد، لكن سمعناه، كما سمعنا عن اعتصام سيُقام لرفض التنفيذ، لكن لم نرَه...

فهل يبقى المسرح حيًّا ليبقى الحلم؟ وهل سيتحقّق هذا الحلم يومًا، ليبقى لبنان، ام سيظلّ مجرّد ضحكات جمهور هارب من واقعه المبكي؟