طوني فرنسيس

ما سرّ التوتر العالي؟

18 شباط 2023

02 : 00

لم يكن السيّد حسن نصرالله بحاجة إلى إلقاء خطاب التوتر العالي في مناسبة الاحتفال بذكرى عدد من قادة حزبه، فهو في النهاية زعيم حزب سياسي يمثّل جزءاً معتَبَراً من جمهور طائفة من الطوائف اللبنانية، يشارك في السلطة نيابياً ووزارياً، ويفرض عليها المواقف المطلوبة في المفاصل الكبرى والصغرى، جاعلاً من الصوت العالي امتداداً لسطوة السلاح والتنظيم العسكري.

لم يكن مضطراً لأنّ قرار بقايا السلطة هو في عهدته، ولأنّ هذا النوع من الخطابات ليس مفيداً أو مستساغاً لسببٍ بسيط، هو أنّ الجمهور اللبناني ينتظر من يسعفه في الخروج من الحفرة التي دُفع إليها، وهو إذا كان ينتظر خطابات نصرالله فلكي يسمع منه جملة مفيدة عن كيفية معالجة الأزمة السياسية والسير في انتخاب رئيس للجمهورية، ومعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية والحاجة إلى خطط ملموسة وحكومة شرعية وإدارات فاعلة.

عن أمورٍ كهذه يُفترض أن يتحدث نصرالله أو أي شخص يعتبر نفسه قائداً مسؤولاً، ومسؤولية نصرالله تتضاعف لأنّ كل الآخرين الذين يتولّون السلطة في الحكومة والمجلس النيابي يدينون له بالولاء والتبعية، وهو يفخر بأنّه في أربعين سنة أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه في السياسة ولو أنّه يضع مسؤولية ما وصلته في الاقتصاد والمال على ... أميركا والمؤامرات الكونية.

يهدّد نصرالله أميركا بالفوضى الشاملة وبضرب إسرائيل ردّاً على أزمة داخلية هو وحزبه شريكان فيها، ثم يستطرد متوعّداً جماعة أميركا في الداخل، وهم على ما يبدو جميع الذين تحركوا في 17 تشرين ضد الفساد والانهيار. وفي الخلاصة يضع لبنان الذي عليه أن يواجه المؤامرة الأميركية بين احتمالين منفصلين أو قد يسيران معاً: حرب مع إسرائيل وصراع مميت في الداخل، وكل ذلك لإثبات صحة نظرية المؤامرة، لا لمعالجة المشكلة الداخلية الحقيقية.

جرّب نصرالله السبيلين في وقت سابق، كانت حرب تموز فاصلاً في مسيرة العلاقات الإيرانية الأميركية، وكانت غزوة أيار إطاحة نهائية بمشروع 14 آذار وتتويجاً لمفاعيل اغتيال رفيق الحريري، واليوم إذ تنتفي شروط تكرار غزوة أيار بغياب الخصم الداخلي، لا يبقى إلّا إعلاء الصوت بوجه الأميركي وربيبته إسرائيل، وهو ما تريده وتفعله ايران، هروباً من أزمة داخلية شبيهة بأزمة لبنان، وسعياً لفك حصار أميركي متعاظم يلقى صداه في عمق المنطقة.

رأى البعض في خطاب نصر الله رسالة تحذير إلى الدول الخمس التي تسعى إلى حلّ في لبنان، تعكس انزعاجاً إيرانياً ليس فقط من استبعادها عن مجموعة الخمس، فربما تفضلها 5 زائداً 1 على طريقة مجموعة الملف النووي، وإنما من انخراط دول مجلس التعاون الخليجي في إعادة التأكيد على ما هو مطلوب من إيران في البيان الأميركي الخليجي الصادر قبل أيام قليلة عن اللجنة التشاورية بين الجانبين.

كان رد إيران على البيان رفضاً دبلوماسياً لمضمونه واتصالاً عاجلاً من وزير خارجيتها بنظيره العماني لمواجهة سير اتصالات «رفع الحظر»، أمّا ردّها في بغداد وبيروت وصنعاء فسيكون نسخة مكرّرة: حملة على الأميركيين والصهاينة وتخوين لكل من يحاول إعمال عقله في معالجة شؤون بلده ومآسي شعبه.

لقد شبع اللبنانيون خضّات وهزّات وحروباً وآن الأوان لأيّ من الممسكين بمصيرهم أن يقولوا جملة مفيدة تفتح أمامهم أبواب أملٍ بانفراجةٍ ما وهو ما يُفترض بالسيد نصرالله أن يقوم به، وبالسادة الحلفاء أن ينطقوا رأيهم بتصريحات قائدهم وتوجيهاته، فينصحون أو يرفضون ليعرف أتباعهم على أي خط زلازل يقفون...


MISS 3