شربل داغر

مع أمين معلوف

20 شباط 2023

02 : 00

كان اللقاء طبيعيا بأمين معلوف في زيارتي الباريسية الأخيرة. هذا ما لم ينقطع بيننا منذ العام 1973. كيف لا، ونحن نتشارك في أكثر من أمر، على تباعد لجهة الشاغل الكتابي.

لم يختلف لقاؤنا الأخير عن سابقِيه. لا تزال بشاشة امين معلوف تستقبلني قبل أي كلام. لا يزال لطفه الشديد يُخفف من اي تباين في النظرة أو الرأي.

لا تزال لهجته اللبنانية على حالها من دون أي تعثر فيها. كما أن متابعته نشطة لما يجري في لبنان...

تناقشنا في غير أمر، كما لو أننا في مقهى آخر، غير الذي كنا فيه، قرب متحف اللوفر. حتى شمس باريس وافتْنا في ذلك الأحد، بخلاف ما سبقَه من غيم ومطر وبرد: كما لو أننا في مقهى في برمانا، البلدة القريبة من بيته العائلي في عين القبو، ومن بيتي في المنصورية!

كان الحديث يتنقل بخفة مِن أمر إلى آخر: مِن تهاوي لبنان وصيغة حكمه إلى الاحتجاج الإيراني المستمر.

تحدثنا عن التباين بين "مجتمع أهلي" في لبنان، و"مجتمع مدني" في إيران، وما يحمله هذا الفارق النوعي من مستقبل ممكن ومختلف بين هذا البلد وذاك.

حالُ فرنسا، وحالُ "الأكاديمية الفرنسية" (التي بات عضواً منتَخباً فيها)، وحالُ الفرنسية نفسها، استحوذت على جانب من الأحاديث المتطايرة من دون حساب أو توقع. اكتفى بابتسامة عريضة، على عادته، حين حادثتُه عن إمكان فوزه بجائزة نوبل للآداب...

تذكرَ معلوف ما كتبتُه عنه قبل سنوات بعيدة: "عبارة معلوف في العربية (وقد كتبَ بها لسنوات في الصحافة اللبنانية) أكثر جمالاً وتجديداً مما هي عليه في الفرنسية". وسألني ما إذا كنتُ متمسكاً بعدُ برأيي، فأجبتُه: "بالطبع. هكذا أشعرُ بقربى أشد مما تَكتب، وكيف تَكتب".

كأننا لم نتغير في تلاقينا وتباعدنا، فيما بلغ معلوف من النجاحات ما لم يبلغه أي كاتب لبناني أو عربي بالفرنسية.

مع ذلك، يتحقق معلوف من تراجع الفرنسية في مجتمعها، وفي تداولها العالمي. لا يتحقق فقط من النجاحات الأكيدة للغة الإنكليزية، بل من تصدر اللغة الإسبانية، التي باتت، في نظره، اللغة الثانية الأكثر انتشاراً وحضوراً في العالم.

مع ذلك، يفيدني معلوف أن العمل يتقدم في إنجاز "المعجم التاريخي" للغة الفرنسية، الذي هو العمل المنتظِم لأعضاء "الأكاديمية الفرنسية"، في جلساتهم الأسبوعية كل خميس: بلغوا فيه حرف (w)، وبقي ثلاثة أحرف منها فقط.

كما أفادني أن عدد طبعات المعجم فاق السبع

حتى اليوم...

المدهش في أمين معلوف هو ما يَجتمع فيه من قوة المعلومة، وسعة النظرة وعمقها، ورهافته الإنسانية العالية: يتكلم بصوته الخفيض ذي النبرات الواضحة بيُسر عما يفكر فيه. حتى إن دماثته قد تخفي للعجول منا (لا لي) ما يشتمل عليه من صفات لا تجعل كتابته مشرقة وبليغة وحسب، بل تجعل أيضا الحديث معه شديد المتعة والفائدة، بما يطلقه من نظرات نافذة ولفتات مرحة ومباغتة أحيانا.

إلى اللقاء، أمين


MISS 3