خضر نجدي

الإنهيار يضرب سلطة الأحزاب في قطاع التعليم

20 شباط 2023

02 : 00

يجمع المتخصصون على اعتبار نتائج الأزمات المالية والاقتصادية في أي بلد من البلدان كارثية بتأثيراتها على كافة مفاصل الحياة فتضرب القطاعات العامة والخاصة على السواء، فكيف إذا تحولت إلى انهيار تام كما هي حال الاقتصاد اللبناني الذي يعيش حالة زلزالية على المستوى المالي والمعيشي بعد تحلل كل الإدارات العامة وتخبط القطاعات الخاصة ومؤسساتها اعتباراً من العام 2019 حتى وقتنا الحاضر؟

والمفارقة هنا برصد أوجه إيجابية لإنعكاسات هذا الانهيار برزت من خلال ضعف تأثير سلطة أحزاب القوى الطائفية ومكاتبها التربوية المسؤولة بشكل كبير عن هذا الانهيار، على قواعد الموظفين في قطاع التعليم الرسمي وقيادة روابطه في كافة مراحله.

وقد أظهرت دراسة أوليه أعدها حديثاً «المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين» حول آلية عمل الهيئة النقابية في قطاع التعليم الرسمي، أنّ قيادة روابط هذا القطاع عاشت تخبطاً شديداً اثر تعارض قراراتها مع مواقف معظم المدرّسين الذين يشكلون الجمعية العمومية، وصل الأمر إلى حدّ استقالة عدد من أعضاء رابطة التعليم الثانوي من بينهم رئيس الرابطة. ويعود ذلك إلى تخلي هذه القيادة عن طروحات جدية للحفاظ على القدرة الشرائية لرواتب المعلمين والحفاظ على قيمة تقديماتهم الصحية والاجتماعية بحدها الأدنى وسلوكها طريق مسايرة المكاتب التربوية للأحزاب الطائفية التي ينتمون لها ضاربين عرض الحائط معاناة المدرّسين والعاملين في المدارس المهنية الرسمية.

ويظهر جدول تصويت الأساتذة على العودة إلى التعليم حجم المعارضة للعودة إلى التدريس لا سيما بعد عيدي الميلاد ورأس السنة رغم محاولات الترغيب والترهيب التي مارستها وزارة التربية بحق العديد من الأساتذة بالتواطؤ مع المكاتب التربوية الضاغطة على قيادة الروابط والتي رأى فيها الأساتذة شريكاً في التآمر على الأساتذة وإعادتهم إلى المدارس بأي ‫ثمن وعلى حساب قهرهم واذلالهم.‬‬

‏وقد صوت 90.76% من اساتذة التعليم الثانوي 83.3% في التعليم الأساسي و98% من التعليم المهني ضد العودة إلى التعليم ما لم يتحقق الحد الأدنى الذي يؤمن ذهابهم إلى المدارس خصوصاً بعد تفاقم الأزمة المالية والمعيشية، وأعلنوا أنهم لم يعودوا يثقون بقرارات قياداتهم التي سايرت الوعود في أول العام حين كان تصويتهم مغايراً تماماً لا سيما في التعليميْن الأساسي والمهني، اذ جاءت النتائج مع العودة على الشكل التالي: 30% في التعليم الثانوي 80% في التعليم الأساسي 85 % في التعليم المهني.

ويرد المطلعون زيادة النسب في القطاعين الأخيرين إلى طغيان حجم المتعاقدين حيث أظهرت دراسة «المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين» أنّهم يشكلون حوالى 65% من التعليم الأساسي و80% في التعليم المهني وهم يضغطون دائما للعودة إلى التعليم، اذ يعتبرون التعطيل أو الإضراب لتحصيل الحقوق، يضرّ بهم لأنهم يتقاضون أجرهم عن كل يوم عمل وما انضمامهم إلى رفض العودة حديثاً سوى اعتراضهم على عدم تقاضيهم جزءاً كبيراً من المستحقات عن العام الماضي التي تلاشت قيمتها إلى الصفر.

‏لقد بيّنت هذه الدراسة ضعف قدرة التعليم الأساسي والمهني حيال التطورات السلبية في الأزمات المالية والمعيشية حيث لا تستطيع هذه القطاعات الحشد لرفد التحركات إذا كان المتعاقدون غير متحمسين للتحرك على عكس التعليم الثانوي، ما يطرح إشكالية التعاقد الوظيفي وفعالية العمل النقابي، وهذا ما يفسّر اصرار أحزاب السلطة على التمسك بسياسة التعاقد الوظيفي كونها وسيلة تستخدمها لضمان ولاء المتعاقدين واستخدامهم بوجه أي اعتراض.



(*) باحث ومستشار في «المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين»