بشارة شربل

الأكاذيب لا تغيِّر الأولويات... الرئاسة أولاً

20 شباط 2023

02 : 00

لن يأتي انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالمنِّ والسلوى للبنانيين، لكنه مدخل إلزامي ومنطقي ودستوري لعملية استعادة المؤسسات وبدء مسيرة إصلاح صارت حتمية للخروج من الحفرة، ولو كره الكارهون.

الكارهون لهم عناوين وأسماء وليسوا سوى المنظومة الفاسدة التي أقامت في السلطة ثلاثة عقود، ولا تزال تراهن على استمرار تسلّطها على الأرزاق والأعناق، تارة بالتمديد لمفاتيح دولتها العميقة، وعلى رأسهم رياض سلامة، وطوراً بسعي "الثنائي" لفرض رئيس ليس سوى نسخة منقّحة عن ميشال عون في الولاء للمحور الايراني والوفاء لعهد الوصاية المشؤوم.

ليست مهمة مجلس النواب أن يفصِّل قوانين لتأبيد ولاية شخص أو مجموعة موظفين، ولا أن يراوغ في إقرار "كابيتال كونترول" كان مفيداً قبل ثلاث سنين. الدخول في جدل أحقيتِه في التشريع رغم كونه "هيئة ناخبة" لا يخدم إلا إضاعة الوقت والتضليل، بالتوازي مع نظرية الحوار الملغوم، واستعارة "تعالوا الى كلمة سواء" التي يراد بها باطل بدل الحضور الى البرلمان بمرشحين جديين. وللمناسبة فإن تجربة إقفال المجلس سنتين ونصف السنة لتحقيق انتخاب ميشال عون غير مشرِّفة، وسابقة ممجوجة يجب أن تشطب من تاريخ هذه المؤسسة ولبنان.

لن تجدي محاولات مجلس النواب الهروب من موجبات الإصلاح والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. كلام الدول الخمس المهتمة بلبنان لا يحتاج الى شرح: انتخبوا رئيساً ونفِّذوا الإصلاحات كي تحصلوا على مساعدات. أما الترويج بأننا بلد غني ويستطيع الاستغناء عن "الصندوق" فكذب صريح، بدليل تعثر الدولة وإفلاس المصارف وعجز ميزان المدفوعات والانهيار الذي يذُر بِقرنه في كل أرجاء المؤسسات وبيوت الناس.

مجلس النواب ليس ملكية خاصة ليتمّ تسخيره خلافاً لمنطق الدستور عبر جعله متعايشاً مع الفراغ في قصر بعبدا. وإذا كانت ثورة اللبنانيين على السلطة الفاسدة في 17 تشرين باتت مكتومة نتيجة القهر والقمع وقدرة التحالف الحاكم على منع التغيير، فإن أنين المحتاجين الى الخبز والمحرومين من التعليم والمسروقة ودائعهم يجب أن يوقظ ضمائر كل النواب المعرقلين، مثلما أن إرادة رافضي الأمر الواقع يجب أن تحضَّ الكتل النيابية القادرة على إحداث فرق في مسار الأزمة على ممارسة مسؤولياتها الوطنية بلا خوف أو ميوعة.

انتخاب رئيس للجمهورية سيبقى أولوية. ولحسن الحظ أن أكثرية اللبنانيين لم تجزع من كلام الأمين العام لـ"حزب الله" عن "مؤامرة الفوضى" والتهديد بالحرب. وَضعتْ المسألة كلها في إطار رفع السقف، إما لفرض مرشح الحزب والمنظومة سليمان فرنجية، أو للوصول الى مرشح طيِّع ليِّن العريكة رمادي المواقف تسهل السيطرة عليه. اللبنانيون مقتنعون بأن مفاعيل الترسيم ليست موقتة، وأنه خيار استراتيجي لا يُشطَب بخطاب ولا بتوتر عابر. أما صرفُه في الداخل، فدونه ضعف الحجة والحقيقة الساطعة ورفض الإذعان لرغبة المنظومة في تعطيل الانتخابات وتدمير ما تبقّى من قدرة اللبنانيين على الاحتمال.

"تعالوا الى كلمة سواء" بلا باطل ولا بهتان، ولا تُشرِكوا بالمؤسسات الدستورية وعلى رأسها رئاسة البلاد.


MISS 3