طوني فرنسيس

تدجين المؤسسة الأخيرة

21 شباط 2023

02 : 00

لا تأتي الهجمات على الجيش وقائده إلّا من جهة سياسية واحدة هي تلك المصنّفة «ممانعة» أو من يدور في فلكها. تبرير الهجوم المباشر هو مجرّد أنّ اسم قائد الجيش مطروح كمرشحٍ جدّي لرئاسة الجمهورية، أمّا أهدافه فتتعدّى الترشيح إلى المسّ بالمؤسسة العسكرية نفسها، وهنا بيت القصيد.

الحملة على العماد جوزاف عون كمرشح يمكن أن تكون مبرّرة لألف سبب وسبب. ومن حقّ أي مرشح آخر أن يعتبر نفسه الشخص الأفضل والأنسب في معركة مفتوحة يطرح فيها المرشحون أنفسهم في السوق السياسية والنيابية. لكن هذه السوق لم تشهد حتى الآن سوى إعلان ترشيح جدّي واحد هو ترشيح النائب ميشال معوّض، وحول اسمه دارت جولات انتخاب لم تواجهه فيها إلّا الأوراق البيضاء أو خيارات الهروب من التسمية.

ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية مرشح هو الآخر، لكنّ ترشيحه لم يأخذ الصفة الصريحة التي اتّخذها ترشيح معوّض، كما أنّ مؤيّديه المفترضين لم يبادروا إلى التصويت له في أي جلسة إنتخابية. المرشح المُضمر الثالث هو رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لكنه ينفي أن يكون مرشحاً ويخوض معركةً ضد المرشحين الآخرين جميعاً بمن فيهم قائد الجيش غير المرشح والذي لا يملك أي كتلة نيابية تدعمه صراحة.

يتّخذ الهجوم على قائد الجيش طابعاً شخصياً تشكيكياً لا يمسّه كشخصٍ فقط، وإنما يذهب بعيداً للمساس بالمؤسسة العسكرية نفسها. فعندما يُتّهم القائد بالإخلال المالي والوظيفي والتمرّد على القوانين، لا يعود وحده معنياً بالتهم، وحين يقال إنّ خلية من الضباط الأميركيين والإنكليز تدير القيادة في اليرزة وحامات، لا يكون جوزاف عون وحده معنياً بل الجيش كلّه. إنّ اتهاماتٍ من هذا النوع هي بمثابة نهج سياسي بديل يستخدم لافتة ترشيح جوزاف عون لخوض معركة تطويع وتدجين الجيش نفسه، وهي معركة يستخدم فيها «الممانعون» كلّ أسلحتهم بدءاً من جعل القائد تاجر سلاح إلى اعتباره متلاعباً بالهبات إلى تهديده بفرط العسكريين وصولاً إلى قتل عناصره في حورتعلا.

والتدجين والتطويع هما جزء من استراتيجية باتت واضحة لا تخفى على أحد، هدفها الإمساك بمفاصل البلد وبمؤسساته. الأمر نفسه حصل منذ 2008 لدى الإمساك بمجلس الوزراء والخطوة التالية كانت رئاسة الجمهورية، وفي المرتين كانت رئاسة المجلس النيابي جاهزة للتعاون، أما الخطوة الثالثة فكانت في تطويع القضاء عبر شلّه، والرابعة الدؤوبة تدجين الإعلام بالتهديد وزيارات المتفجرات الليلية لدى فقدان القاضي المستجيب دعاوى الترهيب وقمع الرأي.

ليست الحملة على جوزاف عون لأنّه مجرّد مرشح محتمل قادم من المؤسسة العسكرية. فهو إذا انتخبَ لا يعود عسكرياً، ولن يكون له تأثير في قيادة المؤسسة، وسينتخب، إذا تمّ ذلك، بسبب انسداد الأفق أمام الآخرين، ولأنّه كان في سنوات خدمته رئيساً لأكبر حزب وطني لا طائفي هو الجيش.

النقاش الهادئ والديمقراطي حول المرشح العسكري كان قائماً منذ زمن فؤاد شهاب. ريمون إدّه كان الأبرز في رفض انتخاب عسكريين إلى الرئاسة، لكنه لم يخطط يوماً لتدمير المؤسسة وإحلال ميليشياه الخاصة محلها، واكتفى طوال مسيرته السياسية بتسجيل رفضه المبدئي لعسكرة السياسة. وعندما وصل فؤاد شهاب لم يمانع رغم رفضه، في التعاون معه خدمة للبلاد في ظروف صعبة.

اليوم أيضاً يمكن لرافضي وصول جوزاف عون إلى الرئاسة إبراز حججهم السياسية وحرصهم على الحياة السياسية والنظام البرلماني الديمقراطي، لكن أن يبيعوا الجمهور قنابل هدم ما تبقّى من المؤسسات فهذا أمر لا يمرّ على عاقل ولا على من تبقّى له ذرّة ثقة بمستقبل بلده.


MISS 3