سامي نادر

اليوروبوندز بين صندوق النقد والخطة الغائبة

17 شباط 2020

02 : 00

لم يعد الإنقسام من سمات المجتمع السياسي فقط في لبنان، إنما انتقل في الآونة الأخيرة إلى الشأن الإقتصادي. فالجدل يرتفع مثلاً حول وجوب أو عدم وجوب دفع مستحقات الدولة على سنداتها بالدولار لا سيما الـ 1.2 مليار دولار المستحقّة الشهر المقبل. وهناك نقاش آخر بدأ يستعِر ولا يقلّ أهمية: هل على لبنان دقّ باب صندوق النقد الدولي ليس فقط للإستشارة التقنية، إنما أيضاً من أجل برنامج متكامل يصلح المالية العامة والنظامين النقدي والمصرفي. والنقاش في الموضوعين يبقى ناقصاً ما لم تحسم الدولة أمرها وتعلن عن خطتها المفصّلة للخروج من الأزمة الإقتصادية، وليس الإكتفاء بعناوين عريضة كما جاء في البيان الوزاري.

فمن يرفض دفع اليوروبوندز، أسبابه كثيرة وموجبة، أقلّها: كيف لبلد عاجز عن تأمين حاجاته الأساسية من دواء وخبز ووقود التفريط بما تبقّى من سيولة لتسديد مستحقات مؤسسات مالية ضخمة ارتضت من خلال استثمارها بالأوراق السيادية تحمّل أعباء مخاطرها. أما من يُطالب بدفع اليوروبوندز، فيقدّم حجة، مفادها أن التعثّر سوف يشكّل ضربة لصورة لبنان في الخارج، ويقيّد أي إمكانية للإستدانة بالمستقبل. هذا صحيح فقط في حال تمّ التخلّف عن الدفع من دون تفاوُض بين الدولة وحاملي السندات وهي بالمناسبة مؤسسات معدودة، أما إذا سارت الأمور في سياق تفاوضي يأخذ بعين الإعتبار مصالح الطرفين والواقع المستجدّ، أي حقوق المستثمرين وفق القانون وشروط الأسواق والأوضاع الإقتصادية الخانقة التي يمرّ بها الإقتصاد اللبناني، قد تفضي الأمور إلى اتفاق يرتاح إليه الطرفان، خاصة إذا قام الطرف اللبناني بخطوات إصلاحية تُعزّز الإقتناع، بالادلّة والبراهين، أنه على طريق استعادة عافيته الإقتصادية وبالتالي قادر على إيفاء ديونه المُعادة جدوَلتها.

المنطق عينه يسري على مسألة صندوق النقد الدولي. فمن يسلّم بخيار صندوق النقد يستند إلى قاعدة "أعطي خبزك للخبّاز"، وهي المؤسسة الدولية صاحبة الخبرة في إدارة أزمات مماثلة. ومنهم من سلّم بهذا الخيار المرّ بدافع اليأس والإحباط، بعدما فقدَ الأمل بقدرة السلطات السياسية (وهي أصلاً فاقدة للمشروعية منذ فترة) والنقدية على الإصلاح خاصة في ضوء التدابير الإستنسابية والجائرة التي اتّخذتها المصارف في الفترة الأخيرة. وأصحاب هذا الخيار يعتبرون أن لا بدّ من مراقبة لا بل وصاية خارجية، بعدما أصبح الإستنساب قاعدة، وثبت عدم أهلية من ائتمنوهم على مدّخراتهم وجنى أعمارهم. أما من يرفض خيار صندوق النقد فلم يطرح حتى اليوم الخيار البديل.

لم يعُد سرّاً للمراقِب المُتابِع أن الإصلاحات على ضرورتها لم تعُد كافية. والإقتصاد الوطني بحاجة إلى ضخّ كمية من السيولة. من أين سوف تأتي هذه الأموال، وكيف سوف يُصار إلى تمويل الفجوة الكبيرة في ميزان المدفوعات، من دون كسر كاهل الإقتصاد، وضرب القطاعات، ورمي معظم اللبنانيين في سوق البطالة أو تحت خط الفقر؟ أسئلة لا يمكن الإجابة عنها بشعارات شعبوية وتدابير يُقال عنها إصلاحية تدغدغ مشاعر الطبقة العاملة وقد تكون نتائجها كارثية أوّلاً بأوّل على هذه الطبقة تحديداً.

باختصار دُفعت اليوروبوندز أو لم تُدفع، ذهبتم إلى صندوق النقد أو لم تذهبوا..ما هي خريطة طريقكم للخروج من الأزمة؟ ولا بد أن يكون هذا البند الأول المرتجى من طلبكم مساعدة صندوق النقد... التقنية.