شربل داغر

سلفادور دالي... المنسي

17 شباط 2020

01 : 40

تمت مؤخراً، في استوكهولم، سرقة عشرة تماثيل برونزية لسلفادور دالي (1904-1989)... هل يعني هذا أن فنه لم يسقط في النسيان، وأن له قيمة "أكيدة"، متمادية: بين الاعتراف به وبين القيمة المالية؟ القيمة أكيدة، لكنها لا تخفي كونها متدنية، لو جرت مقارنتها عند غيره من رواد التحديث الفني في القرن العشرين.

ولعل تدني قيمته يعود إلى كونه "سبقَ عصرَه" بمعنى من المعاني. فمن يَعُد إلى تصريحاته، وتسجيلاته المصورة، وإعلاناته المثيرة، غداة الحرب العالمية الثانية - وهي متوافرة وإن بعيدة عن الأضواء، سيتحقق من أن الفنان الإسباني نجح، بل أطلق ما هو معمول به - بنجاح - في نطاق الفن في العقدَين الأخيرَين: أن تكون للفنان "ماركةُ" ظهورٍ له، سواء في شكله، في طلاته الإعلامية، أو في مواقفه الطريفة أو الصادمة... أي أن تكون للفنان طاقة جذب إعلانية، تُعرّف به، وتسوقه، وتصنع شهرته.هذا ما فعله سلفادور بنجاح مبهر، ولكن في وقت لم يكن فيه بعدُ للدعاية سحرُها وتأثيرُها الطاغيان، ولم يكن فيه بعدُ تداخلٌ وتواكلٌ كبيران بين الدعاية والفن.هذا ما نجح فيه دالي، بشاربَيه، باختياره محطة قطار موقعاً عالمياً له، بتصريحاته المثيرة المعطوفة إلى لكنته الفرنسية وتعبيراته الجسدية... فضلاً عن غرائبية التركيب في لوحاته الفنية.

كان يخاطب "العالم"، لكن العالم لم يكن "موحداً" بعدُ إعلامياً. كان يجعل من المفارقة عنواناً للابداع، فيما كان الإبداع حينها مقترناً بالايديولوجية، ويتنكب بل يتبرم من "استهلاكية" الفن.هكذا قام بنفسه بنشر فنه، بإيجاد طبعات مختلفة لمحفوراته الفنية في غير عاصمة كبيرة، ولكن من دون أن تلقى النجاح المرجو، حتى إنني وجدتُ سعر محفورته الواحدة في باريس لا يتعدى في الثمانينات الألف فرنك فرنسي...

يكاد يسقط فن دالي في النسيان، إلا أن "ماركة" صنيعه الفني نجحت نجاحاً باهراً، ولكن من... دونه.