الذكاء الاصطناعي يدعم رواد الفضاء عاطفياً
في رحلتهم إلى المريخ!

15 : 00

يرصد مساعِد رقمي العواطف ويتجاوب مع رواد الفضاء ويستطيع تحسين أداء البعثات الفضائية التي تمتد أشهراً أو سنوات.

يُعتبر رواد الفضاء من أكثر الأشخاص قوة على المستويات الفيزيولوجية والنفسية في العالم. هم يتدربون للحفاظ على هدوئهم في أكثر اللحظات خطورة وقد يحصرون تركيزهم لفترات طويلة. لكن يسهل أن تصبح تجربتهم عصيبة لأنهم يعيشون ويعملون وينامون في مساحات محصورة بالقرب من الأشخاص أنفسهم طوال أشهر أو سنوات متلاحقة!

يظن توم سودرستروم، رئيس قسم التكنولوجيا في "مختبر الدفع النفاث" التابع لوكالة "ناسا"، أن قدرات الروبوتات المستعملة راهناً في هذا المجال تبقى ضعيفة بسبب افتقارها إلى الذكاء العاطفي. لهذا السبب، يتعاون المختبر اليوم مع شركة التكنولوجيا الأسترالية "أكين" لتطوير نظام عامل بالذكاء الاصطناعي وتوفير دعم عاطفي لرواد الفضاء خلال مهامهم. يقول سودرستروم: "نريد أن نستعمل مساعِداً ذكياً يستطيع التحكم بحرارة المركبة الفضائية ووجهتها ويرصد أي مشاكل تقنية، ما يعني أن يراقب أيضاً السلوك البشري".

توضح ليسل يرسلي، المديرة التنفيذية في شركة "أكين": "هذا المشروع لن يجعل الذكاء الاصطناعي ينفذ المهام بكل بساطة ويُذكّر بالمواعيد، على غرار "أليكسا" أو "سيري"، بل إنه سيكون أشبه برفيق يقدّم الدعم العاطفي. لنتخيل أن يفكر الروبوت بهذه الطريقة: "يبدو أن ماري تمر بيوم سيئ، لاحظتُ أنها تتعامل بفظاظة مع زملائها"! قد يحرص الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة على جعل المستخدم يلتزم بجدول أعماله طوال اليوم ويجد طريقة لتشجيعه وتخفيف جزءٍ من ضغطه النفسي. إنه نموذج من الجوانب العميقة التي نريد معالجتها".

من المعروف أن مراقبة الصحة النفسية والعاطفية لطاقم العمل لا تطرح مشكلة في وكالة "ناسا" اليوم. يتكلم رواد الفضاء في "محطة الفضاء الدولية" مع أطباء نفسيين ميدانيين بانتظام. وتضمن الوكالة أن يبقى الأطباء مستعدين لمعالجة أي مؤشرات خطيرة الى الإحباط. لكنّ تطبيق معظم جوانب هذا النظام ممكن لأن رواد الفضاء موجودون في المدار الأرضي المنخفض ويسهل الوصول إليه لمراقبة سير المهمّة. لكن في عمق الفضاء، يضطر الطاقم للتعامل مع غياب التواصل الذي يمتد أحياناً الى ساعات. وقد لا تشمل الوكالات الأصغر حجماً أو الشركات الخاصة أي خبراء في الصحة النفسية للتعامل مع الحالات الطارئة. لذا قد يكون الذكاء الاصطناعي العاطفي على متن المركبات خياراً أفضل لرصد المشاكل وغربلتها فور ظهورها.

ترتكز الشراكة مع "أكين" على استعمال مشروع Open Source Rover الجديد الذي أطلقه "مختبر الدفع النفاث" ويكشف علناً عن التصاميم الأساسية للمركبات المتوجهة إلى المريخ، على غرار مسبار "كوريوسيتي".

يستطيع الطلاب والمهندسون الشبان المهتمون بالموضوع أن يتعلموا كيفية بناء مسابيرهم المزوّدة بست عجلات مقابل 2500$ تقريباً. خلال السنة الماضية، استعمل سودرستروم ويرسلي مشروع Open Source Rover لاختبار وتطوير الذكاء الاصطناعي العاطفي. نتيجةً لذلك، نشأ مسبار "هنري المساعِد". يتجول هذا الابتكار راهناً في مقر "مختبر الدفع النفاث" ويتواصل مع الموظفين والزوار ويثبت مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على التفاعل مع البشر وتحديد العواطف البشرية.

على غرار عدد كبير من أنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى، يستعمل "هنري" التعلم العميق لرصد الأنماط في الكلام البشري وتعابير الوجه لأنها ترتبط بالنوايا العاطفية. ثم يُبرمَج النظام للرد على تلك المؤشرات بطرقٍ مناسبة ومتعاطفة، مثل تقديم التوجيهات أو المعلومات لأي سياح أضاعوا الطريق أو شعروا بالارتباك. في وقتٍ لاحق من هذه السنة، ستطرح الشركة نموذجَين آخرين: "إيفا المُستكشِفة" و"آنا المساعِدة".

تبدو "إيفا" أكثر استقلالية من "هنري"، وهي مزوّدة بعدد إضافي من أجهزة الاستشعار التي تسمح لنظام الذكاء الاصطناعي برصد أي مؤشرات سلسة في الكلام وتعابير الوجه حين يشارك في محادثات أكثر تعقيداً. ستكون "آنا" إذاً أشبه بمساعِدة مستقلة تتوقع حاجات الموظفين في "مختبر الدفع النفاث"، فتُدوّن الملاحظات وتجيب على الأسئلة، وتُسلّم المشاريع والأدوات، وترصد المشاكل وتعالجها.

لضمان فاعلية الذكاء الاصطناعي في الفضاء المعزول، سيتكل النظام على الحوسبة الطرفية، ما يعني التخلي عن خدمات الحوسبة وتخزين البيانات في المراكز الكبرى وزيادة الاتكال على التخزين الموضعي والموقّت، تزامناً مع تقليص بصمات الطاقة بدرجة كبيرة.

تواجه شركة "أكين" عوائق متعددة، أبرزها تلك التي تشوب قطاع الذكاء الاصطناعي العاطفي بأكمله. سبق واعتبرت ليزا فيلدمان باريت، طبيبة نفسية متخصصة في العاطفة البشرية في جامعة "نورث وسترن"، أن الطريقة التي تعتمدها معظم شركات التكنولوجيا لتدريب الذكاء الاصطناعي على رصد العواطف البشرية شائبة للغاية: "لا تتعرف الأنظمة على المعنى النفسي، بل ترصد الحركات والتغيرات الجسدية وتنسب لها معنىً نفسياً".

لا شك في أن هاتين العمليتَين مختلفتان بالكامل. لكن تبيّن أن المركبة الفضائية قد تكون بيئة مثالية لتدريب الأنظمة التي تتمتع بذكاء عاطفي. بما أن هذه التقنية تتفاعل مع الطاقم الصغير على متن المركبة، ستتمكن على الأرجح من تعلّم "مفردات تعابير الوجه" التي يستعملها كل فرد وطريقة انعكاسها على وجهه وجسمه وصوته.

حتى أنها قد تفهم في نهاية المطاف طريقة تبدّل تلك التعابير في سياق البعثة الفضائية وبيئتها، بناءً على ظروف اجتماعية تشمل رواد فضاء آخرين. في النهاية، تضيف باريت: "قد تكون محاولة تطبيق هذه الطريقة في بيئة مغلقة، مع فرد واحد أو عدد قليل من الأفراد، أسهل من محاولة تطبيقها في بيئة مفتوحة".